لا رأس ولا رقص.. بل محمود درويش!

TT

هبطنا في مطار موسكو. وأحسست فجأة أنني في إحدى روايات جوجول أو جوركي.. فالأرض جليدية والناس أحجامهم ضخمة بسبب الملابس الثقيلة التي يرتدونها ويبدو أن أحدا لا يستطيع أن يفتح فمه من شدة البرودة، فهم يعيشون ويتقاربون وبسرعة يتباعدون ولا صوت يعلو على صوت الأحذية الغليظة.

وكنا نتوقع أن يقابلنا رئيس اتحاد الأدباء ـ كما نفعل مع الروس في القاهرة. فالأديب يوسف السباعي رئيس اتحاد الأدباء في مصر كان حريصا على ذلك. وفي مصر نجاهر بإعجابنا بالشاعر الروسي الجميل الشكل والشعر يفتشنكو. وكنا وفدا من الأدباء المصريين وكنت رئيس الوفد. وقرر أحدنا أن يتصل بالشاعر الصديق محمود درويش. ولحسن الحظ وجدناه. وعبر التليفون قلت له: إزيك يا محمود وحشتنا. فكان رده: خواشو، أي كويس باللغة الروسية.

وكلمة روسية وكلمة عبرية. واتفقنا على أن نلتقي بعد ساعة أي قبل منتصف ليلة رأس السنة. وجاء محمود، وبعد الأحضان والقبلات والسعادة الحقيقية برؤيته، ركبنا سيارته واتجهنا إلى محطة السكك الحديد تحت الأرض. فهي من معالم السياحة في روسيا. وطال الكلام والضحك والنكت والشعر وجاء قطار ومن بعده قطار.. واقترح أحدنا أن نذهب إلى أقرب الفنادق.

وفي الفندق طال الكلام وامتد الحديث وجرجرتنا السياسة، وقال محمود درويش وكأنه يدافع عن نفسه: إنني عضو في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، فهذه هي الطريقة الوحيدة لأن أكون في حوار معهم.

ولا أعرف بالضبط كم عدد الفتيات اللواتي احتضنهن.

وادعى بعضنا أن محمود درويش يقبل الروسيات باسم العروبة والكفاح الفلسطيني. وكنت أقول: وإنما يفعل ذلك باسم الشعر، فهي قبلات شجية تماماً ولا نصيب لنا فيها.

وفجأة اعتذر محمود درويش عن إكمال رأس السنة معنا في المحطات تحت الأرض. وفي أحضان الروسيات.

وهكذا مضت ليلة رأس السنة، وكانت سنة بلا رأس ولا رقص وإنما كانت فرجة على شاعر عربي كبير له نفس الشعبية في روسيا وبس!