قد يكون النفط الخارجي سيئا بعد كل هذا

TT

هناك الكثير من الأشياء التي أرغب في لتحرر منها، بداية من الرسائل الإلكترونية الواردة إلي، والجزء الخاص بالقسم الذي أدليت به خلال حفل زفافي، بعدم التزوج مرة أخرى والاكتفاء بزوجة واحدة طيلة حياتي، والشركة الزائفة التي أسستها لتخفيض ضرائبي، إلا أنها أصبحت الآن تستنفد كل وقتي. ولكن لا يعد النفط الخارجي واحدا من تلك الأشياء التي أشرت إليها، النفط الخارجي هو النفط المفضل لدي. إن عملية التنقيب والبحث عن النفط هي الصناعة التي يتعين على الولايات المتحدة التوسع فيها بعد الأبحاث الكيميائية، وبناء الأهرامات.

لقد أمضى كل من باراك وماكين الكثير من الوقت في خطاباتهم وإعلاناتهم، وهم يناقشون ما هي أفضل السبل واهمها لتحقيق الاستقلالية في موارد الطاقة. كما أن كلاهما مستعد للقيام بعمليات التنقيب البحري، حتى إن لم يسفر هذا الأمر عن إنتاج المزيد من البنزين والوقود، وبعد فترة طويلة سنكون جميعا بحاجة إلى السيارات الكهربية. الجميع يريدون تخفيض أسعار الوقود، عبر قرع أبواب الاحتياطي النفطي الاستراتيجي، رغم عدم وجود أي طارئ، كما أن الأسعار المرتفعة هي السبيل الوحيد الفعال لجعل الأميركيين يكبحون جماح استهلاك النفط الخارجي.

وإذا كان مرشحا الرئاسة يريدان التحرر من الاعتماد على جميع أشكال النفط، فمن المفترض أن يعتنق كلاهما الطاقة الصديقة للبيئة. وإذا كان النفط الخارجي مختلفا تماما عن الخير، والخوف من الله، فإنه سيكون من ذلك النوع الذي يمكن إشعاله عبر الحرية وحرائق الإرهاب وفرنسا. وبالنسبة لسوق السلع، ليس هناك نفط أميركي، ولا قطن أميركي، ولا قهوة أميركية. ولا ألومونيوم أميركي. فكل تلك السلع والبضائع تطرح للمناقصة من دون أي تحيز وطني.

وإذا كنا متحررين من سياسة الطاقة ـ التي يطبقها الساسة ـ فلن ترتفع الأسعار على الإطلاق. فهناك حقيقة يغفلها الجميع، ألا وهي أنك إذا كنت ممن حققوا مكاسب كبيرة بسبب النفط، فستمضي لتسويق نفطك إلى أكثر المزايدين ثمنا، وليس إلى الأميركيين المكويين بنار الأسعار وانخفاض قيمة عملتهم، الدولار. إن تدبير المزيد من النفط النابع من الأراضي الأميركية يعني المزيد من النفط في السوق العالمية والمحلية.

ومع ذلك نرى المرشحين للرئاسة، وهما يتحدثان كما لو أن الولايات المتحدة أكثر الكيانات الاشتراكية شراء للطاقة، الأمر الذي يمكنهم من اختيار المكان الذي يمكنهم منه جلب البترول الذي يحتاجونه. تحتوي السوق الأميركية على ملايين الصفقات العالمية الفردية، التي يتم بعضها في محطات الإمداد بالوقود. وطبقا للبيانات التي أوردتها إدارة معلومات الطاقة الفيدرالية، فإن الولايات المتحدة استوردت النفط من 90 دولة، بينما صدرته إلى 73 دولة فقط عام 2007.

لا تعتبر الدولة قوية إذا ما أنتجت كل شيء بنفسها، فالمبادئ الاقتصادية تعلمنا أن الكل يستفيد عندما يكون هناك تبادل تجاري بين أشخاص جيدين في سلعة ما، مع آخرين جيدين في سلعة أخرى.

ولكن حتى إذا ما خفضنا استيرادنا للنفط، فسنظل معتمدين على دول أخرى. إننا نستورد الكهرباء من المكسيك وكندا. كما نستورد 20% من استهلاكنا القومي للغاز، و80% من اليورانيوم اللازم لتشغيل المفاعلات النووية. بينما تأتينا الطاقة الشمسية من الشمس مباشرة. وإذا كان الاستقلال عن استيراد النفط الخارجي أمرا جيدا، فإنه يتعين علينا أيضا التحرر من استيراد الأسماك، والسيارات، والمشروبات، والأفلام. فهل تطيق العيش في عالم ليس به سمك ماكريل إسباني، أو سيارات بريوس، أو أفلام مستر بين؟

ومن هنا أريد أن أوضح نقطة مهمة، وهي أن الاكتفاء الذاتي لن يجعلنا أكثر أمنا. فبالتأكيد إذا ما ذهبنا إلى الحرب مع السعودية، أو فنزويلا، أو روسيا أو المكسيك أو كندا، فإن تحريك جيوشنا سيكون، بالفعل، أمرا عسيرا، إلا أن تلك الأمور ستكون بالفعل هي أقل ما نقلق بشأنه. التكافل من أجل الطاقة هو ما سيجعلنا فعليا أكثر أمنا. فعندما ضرب إعصارا كاترينا وريتا الولايات المتحدة عام 2005، أثر ذلك على النفط الذي يأتي من ساحل الخليج، ولجأنا إلى استيراد المزيد من فنزويلا وهولندا. ويقول روبرت برايس مؤلف كتاب «بئر الأكاذيب: الوهم الخطير للتحرر من الطاقة»، إنه متأكد أن المرشحين لمنصب الرئيس يعلمان تلك الأمور جيدا. وأوضح: أن تلك الخطابات «تساعد على دعم المشروعات التافهة ذات مليارات الدولارات، مثل وهم الإيثانول، وأن المرشح عندما يقول التحرر من الطاقة، فكأنما يقول انتخبوني، وهذا كل ما تعنيه تلك الكلمة».

إن الحل الوحيد للفزع الذي نعانيه في الوقت الحالي من الطاقة، في رأيي، هو الحصول على فواتير شهرية للبنزين، مثلما نفعل تمامًا مع المياه، والكهرباء، ودقائق الهاتف الجوّال. فالناس يشعرون بالفزع عندما يحملقون في العدادات ويرونها تحصي مئات السنتات نتيجة للاستهلاك.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز»

خاص بـ«الشرق الأوسط»