وصفة الدكتور معمر للمكابر أمام المستكبر

TT

اذا قالت حذامِ فصدِّقوها.. فإن القول ما قالت حذامِ. بهذا البيت الشعري أوجز الشاعر العربي النصيحة في شأن أمور حدثت في عصره.

واذا قال الرئيس الليبي معمر القذَّافي ما قاله يوم الثلاثاء 5/8/2008 لأهل الحكم الايراني، فإن من مصلحة هؤلاء ان يصغوا اليه. فهو صديق قديم للجمهورية الاسلامية في ايران وقف الى جانبها بنسبة مدروسة خلال الحرب الصدَّامية ـ الخمينية. وهو صاحب تجربة عريقة في مجال اعتماد سياسة التحدي دامت بضع سنوات دفعت بلاده بسببها أثماناً باهظة جاءت على حساب التنمية والتطوير والتصنيع. وبعدما رأى ان لا جدوى من مواصلة التحدي فإنه استبدل التحدي بالمرونة وبدأت ليبيا بذلك ترمم تداعيات عقدين من التحدي.

وما قاله القذَّافي لأهل الحكم الايراني وعبْر الأثير خلال مناسبة تكريمية له في تونس، حيث منَحتْه جامعتها «دكتوراه فخرية» كان الآتي: «ان ما تقوم به ايران ليس سوى مجرد مكابرة. والتحديات اكبر من قدرة ايران على مواجهتها. وفي حال اتخذ الغرب قراراً بالهجوم على ايران، فإن مصيرها سيكون المصير ذاته للعراق. فإيران وحدها ليست اقوى من العراق ولا يمكنها ان تصمد. كما انها قد تواجه وضعاً شبيهاً بيوغسلافيا نتيجة لعزلتها الدولية. فمَن كان يتصور أن يوغسلافيا يمكن ان تختفي في رمشة عين».

في كلامه هذا لا يقرأ «الدكتور معمر القذَّافي» في الفنجان، وانما يبني كلامه على التحليل والمعلومة، وقبل ذلك على تجربة التحدي التي طالما ارتبطت بسياسة تعامُله مع القضايا الدولية، مع ملاحظة ان التحديات القذَّافية كانت اقل بكثير من التحديات النجادية، حيث انه لم يهدد بالصواريخ وبزوال اسرائيل وبضرب المصالح الاميركية حيث وُجدت، وبإغلاق مضيق هرمز الذي يهدد اخواننا الايرانيون بإغراق سفنة فيه لتعطيل الملاحة ووقف إمدادات النفط الى دول العالم. لكنه مع ذلك اختار في نهاية الأمر اعتماد المرونة متحملاً كل التنظيرات التي وُجِّهت اليه كالسهام. لكن لم يهمه تنظير المنظِّرين ما دام اعاد ليبيا الى المكان الطبيعي، بعيدة عن الحصار والعزلة المفروضة عليها، فضلاً عن ان هذه الاستعادة تجعل ليبيا تقترب اكثر من شاطئها الاوروبي وتنأى بعض الشيء عن فيافيها الافريقية، وربما تيسِّر أمر التوريث بحيث لا توغر الأوساط الدولية غير المرئية الصدور الليبية امام سيناريو واضح المعالم وخلاصته ان تبدأ السلالة القذَّافية الثانية في شخص الابن سيف الإسلام من حيث تصل اليه السلالة الاولى في شخص العقيد الوالد معمر القذَّافي نتيجة خيار شخصي.. او تحت تأثير واقع صحي ليس بالضرورة ان يكون مثل الذي اصاب الزعيم الكوبي فيديل كاسترو، ولا مثل الذي حدث في سورية للسلالة الأسدية حيث تم توريث الابن بشَّار لمجرد رحيل الأب حافظ. ونقول ذلك مع ملاحظة ان الرئيس القذَّافي هو من دعاة الترؤس غير المحدَّد بدليل انه يلح على الرئيس التونسي زين العابدين بن علي لكي يجدد الترؤس وبذلك لا يبقى القذَّافي وحده عميداً للرؤساء المعمِّرين، وإنما يكون للعمادة آخرون سبقهم القذَّافي في الترؤس مثل الرئيس علي عبد الله صالح الذي يتطلع الى توريث الابن أحمد والرئيسين بن علي وعمر حسن البشير اللذين لا ابناء لهما لكي يورِّثا.

بالعودة الى ما بدأناه نشير الى ان «الدكتور معمر» في وصفته الى اهل الحكم الايراني ورثة الحقبة الخمينية لم يكتب هذه الوصفة في صيغة رسالة سرية للغاية يبعث بها مع موفد رئاسي الى طهران، وإنما كان حريصاً على ان يقولها علناً امام الناس وتتناقلها وكالات الأنباء والاذاعات والفضائيات وكأنما يريد بذلك القول ما معناه: يا اخواننا في إيران إن إمامكم آية الله الخميني جمَّد المكابرة عندما ارتضى وقف اطلاق النار مع العراق، وإن كان بقوله «إنه بقراره هذا كمن يتجرع السم» ضمناً زرع بذرة الثأر ذات يوم وهذا ما يحدث من ايران للعراق. كما انه يريد القول ما معناه إن ليبيا لن تكون الى جانب ايران في حال اصرت هذه الأخيرة على المكابرة وتركت اميركا وغيرها تكرر معها ما سبق وارتكبتْه في حق العراق. وهو ما قاله في الماضي الرئيس حسني مبارك للرئيس صدَّام حسين، الذي لم يتجاوب مع تمنيات الرئيس المصري وغيره في ان يسحب قواته الغازية من الكويت ويوفر على العراق كارثة ستحدث ولن تمنع حدوثها صواريخه وتهديداته وثقته المفرطة بالنفس وبفيالق الحرس الجمهوري والجيش. كما يوفر على المنطقة تداعيات حالة من المتاعب الاقتصادية فضلاً عن استشراء الشكوك في النفوس وتقويض اعمدة الخيمة العربية التي كانت حتى تلك الغزوة العراقية المبغوضة للكويت تجمع الشمل وتحقق وحدة صف تبقى معقولة بالقياس الى ما آلت اليه الاحوال بعد الغزوة، وكيف ان العرب فقدوا في رمشة عين العراق على نحو تبعثُر يوغسلافيا في غمضة عين وكما يمكن، على حد وصفة «الدكتور معمر»، أن يحدث لإيران إن هي اصرت على المكابرة وأصر الاستكبار البوشي والذين حوله على تأديب هذه الدولة العصية على ارادة دولية... على رغم ان هذه الارادة ذات طابع استبدادي. لكن وبلغة اهل ليبيا: الله غالب.