هل اللبنانيون يستحقون لبنان؟

TT

بهدوء وتركيز وبمهنية وحرفية واضحة وفي فترة زمنية وجيزة أعلنت شرطة دبي توصلها لهوية قاتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، التي قتلت بشكل وحشي في جريمة نفذت بدقة، وتتبعت شرطة دبي آثار القاتل، الذي استقر به الحال في بلد عربي، بعد فراره من دبي بساعة ونصف الساعة من وقوع الجريمة، وهو الآن قيد الحجز من قبل سلطات ذلك البلد.

وقد لقيت هذه التطورات اللافتة استحسان بعض الساسة في لبنان ومديحهم لسلطات دبي الأمنية، بسبب تمكنها من الوصول للجاني في زمن قياسي.

وقد لخص هذه المسألة النائب عن كتلة «القوات اللبنانية» انطوان زهرا، وذلك حين تمنى بعد شكره لدبي، أن أمله أن يصل لبنان «إلى هذا المستوى من الفاعلية في متابعة الجرائم الحاصلة على أرضه». وهذا التصريح بالفعل يثير مسألة مخجلة بحق الحكومة اللبنانية، التي شهدت سلسلة من الجرائم الكبرى على أرضها، راح ضحيتها أو كاد، كوكبة من أعلام السياسة والصحافة، من دون الكشف عن هوية أي من القتلة والمجرمين خلفها، وكأن هذه الحوادث حدثت في كواكب بعيدة عن الأرض.

إنها علامة صارخة على أن لبنان باتت الدولة فيه أضعف من العامة. فرجل الأعمال صاحب الجاه، أو رجل الدين، لديه من النفوذ والقوة ما يفوق الموظف الرسمي وأنظمته، فحالة اللااكتراث التي انقلبت إلى حالة من اللااحترام من قبل المواطن بحق حكومته في لبنان، باتت أحد أهم أسباب تداعيات الموقف العام في لبنان، وتكريس ذهنية القنوط من المستقبل.

لبنان وساسته لا يكلون أو يملون من الحديث عن الديمقراطية والليبرالية والحقوق والدستور ليلا ونهارا، ولكنهم بنفس اللسان حريصون على تثبيت وتكريس الطائفية والطبقية والوراثة السياسية العقيمة. مخجل ومعيب كم بلغت التعقيدات السياسية «ذاتية الصنع» مداها في لبنان، التي أصبحت سمة وصفة أساسية له.

يحمل اللبنانيون في مظاهراتهم يافطات وأعلاما توازي عدد أهوائهم وطوائفهم، وقلما يشاهد العلم اللبناني نفسه. كل الدول والحكومات لديها أزماتها ولديها ظروفها ولديها مشاكلها، ولكن هذا لا يعني أبدا أن تظل هذه الدول في نفس الدوامة، وتصر على التمسك وبقوة بنفس أسباب هذه المشاكل، ومن دون الجرأة على أخذ الحلول «غير المحببة» ولو بالقوة.

هناك خلل كبير وواضح في «شكل» الدولة اللبنانية الحالي، وهو نموذج غير قابل للاستدامة، واللبنانيون أنفسهم هم أول من يعلم ذلك. نعم للبنانيين خصوصية ولكن خصوصية تحولت لآفة خطيرة أصابت العراق بنفس العلة، وهناك أكثر من دولة مرشحة إلى أن تنال نفس المصير المؤلم.

هناك قناعات داخل الكيان اللبناني لبعض أفراده بأنهم جزء من دولة «شقيقة» كبرى، وآخرون يرون أنه لا مانع من الانخراط في علاقات حميمة مع «أبناء العمومة»، وغيرهم يعتبر أن جارة إقليمية كبرى هي البعد والعمق الحقيقي لهم، مع عدم إغفال أن هناك فريقا يرى لبنان بأنه «خطأ جغرافي»، موقعه وسط دول الاتحاد الأوروبي وليس بجانب «هذه النوعية» من الدول.

مشكلة لبنان أنه «فكرة جميلة» لم يستوعبها مواطنوه بعد، أم يكون السؤال الأصعب هو الأجدر بالطرح: هل لبنان فكرة جميلة «لا يستحقها مواطنوه؟».

[email protected]