الحرب الروسية أسوأ تحد

TT

جاء الغزو الروسي لجورجيا والغارات التي يشنها الجيش الروسي لتصيب قلب القيم الغربية وتشوه نظام الأمن في القرن الـ21. وإذا سمح المجتمع الدولي لروسيا بأن تعتدي على ديمقراطيتنا، وعلى دولتنا المستقلة، فإن ذلك سوف يكون مسوغا للحكومات الشمولية في كل مكان. فروسيا لا تستهدف تدمير بلد واحد فقط، وإنما تستهدف تدمير فكرة الديمقراطية نفسها.

ومن وقت بعيد، فإننا كنا نقلل من خطر النظام الذي لا يرحم في موسكو. وقد شهد أمس دليلا جديدا على ازدواجية المعايير التي يمارسها هذا النظام : فخلال 24 ساعة من موافقة روسيا على وقف إطلاق النار، كانت قواتها تدخل إلى الأراضي الجورجية وتحاصر ميناء بوتي وتغرق البواخر الجورجية، والأسوأ من ذلك كله كانت تقوم بعمليات تطهير عرقي في القرى الجورجية في جنوب أوسيتيا حيث كان يتم اغتصاب النساء وإعدام الرجال على يد أفراد جيشها.

والقيادة الروسية لا يمكن الوثوق بها، ويجب أن تكون هذه الحقيقة ماثلة أمام أعين الغرب عندما يدرس الرد على الهجوم الروسي. فقوات حفظ السلام الغربية هي الوحيدة التي يمكنها وضع نهاية لهذه الحرب.

وترغب روسيا كذلك في تدمير اقتصادنا وقصف مصانعنا وموانئنا وغير ذلك من المواقع المهمة في بلدنا. ولذلك، فإننا في حاجة ماسة إلى تحرك الأمم المتحدة والولايات المتحدة وكندا وغيرها من الدول لتقديم المساعدات، وهو ما تقوم به هذه الدول بالفعل وتشعر جورجيا بالامتنان لذلك تماما. ومع دراسة ما يجب عمله بعد ذلك، فإن علينا فهم الأهداف الروسية كذلك. فموسكو تهدف إلى تحقيق طموحاتها الإمبريالية وأن تمحو إحدى الديمقراطيات القليلة وإحدى الدول التي يحكمها القانون، وقبل كل ذلك، أن تنهي مرحلة ما بعد الحرب الباردة، والتي شهدت توثق العلاقات الدولية بين دول أوروبا، ويبدو أن روسيا تشعر بأن بمقدورها فعل ما تشاء. وتشبه الحرب الروسية على جورجيا ما كان يحدث في فنلندا عام 1939 والمجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا عام 1968. وربما يكون ذلك هو السبب في أن العديد من دول أوروبا الشرقية التي عانت ويلات الاحتلال السوفياتي قد أعلنت تأييدها لنا.

وينظر القادة الروس إلينا كتهديد لأن جورجيا بلد حر يقوم شعبه باختيار حكامه ليتكامل مع المجتمع اليورو أطلسي. ومن شأن ذلك أن يعكر مزاج الحكام في روسيا. فهم لا يرغبون في رؤية بلدهم أو حدودهم تجاور بلدا أو أفكارا ديمقراطية.

ومنذ أن تولت الحكومة التي انتخبت ديمقراطيا زمام السلطة في البلاد عام 2003 من خلال الثورة الوردية، فإن روسيا كانت تستخدم العقوبات الاقتصادية وتقوم بإغلاق الحدود لعزلنا، كما قامت بنفي آلاف الجورجيين من روسيا. وحاولت تقويض الاستقرار السياسي من خلال مساعدة المجرمين. كما حاولت تجميد اقتصادنا من خلال قصف خطوط الأنابيب الرئيسة في منتصف الشتاء.

وعندما باءت كل هذه المحاولات بالفشل في إضعاف إرادة الشعب الجورجي، قامت روسيا بالغزو.

وفي الأسبوع الماضي، قامت روسيا من خلال عملائها الانفصاليين بمهاجمة العديد من القرى الجورجية الآمنة في جنوب أوسيتيا حيث قتلت المدنيين الأبرياء وقامت بتدمير البنى التحتية بها. وفي 6 أغسطس (آب)، وبعد ساعات من سفر مسؤول جورجي كبير إلى جنوب أوسيتيا لمحاولة عقد محادثات، شنت روسيا هجوما كبيرا على المناطق الجورجية. وبعد أن تعرضنا للهجوم، قمت بإعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد أملاً في تجنب المزيد من تدهور الوضع، وقمت بإعلان رغبتنا في عقد المحادثات مع الانفصاليين في أي وقت. لكن الانفصاليين وأسيادهم الروس لم يصغوا إلى نداءاتنا للسلام. وبعد ذلك، علمت حكومتنا أن طوابير من الدبابات والقوات الروسية عبرت الحدود الجورجية ذات السيادة. وقد تجمع آلاف من القوات والدبابات والمدفعية الروسية على الحدود، وفي ذلك دليل على أن ذلك العدوان كان مخططا منذ وقت طويل.

ولم يكن لدى حكومتنا من خيار آخر سوى حماية الحدود من الغزو وتأمين المواطنين ووقف نزيف الدماء. وقد كانت جورجيا على مدى سنين طويلة تقدم المقترحات الأوروبية لمشكلة أوسيتيا الجنوبية، بما في ذلك الحكم الذاتي الكامل الذي يضمنه المجتمع الدولي. لكن روسيا قامت بالرد من خلال الوسائل المتعجرفة والبربرية التي ترجع إلى القرن 19.

ومن الطبيعي أن بمقدور روسيا احتلال بلدنا الصغير، على الرغم من أننا لم نتوقع مثل هذا العدوان الروسي، ولكن كان لزاما علينا حماية حدودنا وشعبنا من مثل هذه القوة الغاشمة. وكان لزاما على أي بلد ديمقراطي أن يفعل مثلما فعلنا.

وقد قررنا الانسحاب من أوسيتيا الجنوبية وأعلنا وقف إطلاق النار والرغبة في عقد المباحثات. لكن موسكو تجاهلت نداءنا المتكرر للسلام.

وقد باءت كل محاولاتنا المتكررة بالاتصال بالمسؤولين الروس بالفشل. بل إن وزير الخارجية الروسي أنكر تلقيه أي إخطارات بوقف إطلاق النار بعد تنفيذه بساعات. وهذه الحرب لا تهدد جورجيا وحدها لكنها تهدد الأمن والحرية في العالم كله. وإذا فشل المجتمع الدولي في اتخاذ موقف حازم، فإن ذلك سوف يعني نهاية لنشر الحرية والديمقراطية في البلدان الأخرى.

وربما تكون الخطأ الوحيد لجورجيا، في هذه الأزمة، رغبتها في أن تكون بلدا مستقلا وحرا وديمقراطيا. فماذا إذا تم عقاب الدول الأوروبية على رغبتها فيما نرغب فيه من طموحات؟

ومع تعرض جورجيا للهجوم، علينا أن نسأل: إذا لم يكن الغرب معنا، فمع من يكون؟ وإذا لم يتم توضيح الخطوط الآن، فمتى سيتم ذلك؟ لا يمكننا السماح بأن تصبح أوكرانيا أول ضحية للنظام العالمي الجديد الذي تتخيله موسكو.

* رئيس الجمهورية الجورجية

خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»