عرابي باشا ثائر إلا قليلا

TT

لما وجدت الصحف الهندية تهاجمني بعنف رداً على ما نشرته في صحف «أخبار اليوم» و«الأخبار» و«آخر ساعة» و«الجيل» كان لا بد أن أجد حلاً، ولا حل إلا الهرب. فقد تخيلت لو أن كل هندي (500 مليون في ذلك الوقت من سنة 1959) رماني بحجر لكانت الأحجار في حجم هرم خوفو. وسافرت إلى جزيرة سيلان سرنديب القديمة وسري لانكا الحديثة. وفي الطائرة التقيت أحد رجال الأعمال المصريين، وبسبب هذا اللقاء عرفت تاريخ عرابي باشا ورفاقه في المنفى، فقد جاء رجل أعمال مصري يشتري بالملايين شاي سيلان الشهير، وبسرعة وجدت السيارة الفخمة في انتظاري إلى حيث كان يعيش عرابي باشا. ووجدت الفيلا وقد كتبوا عليها «عرابي باشا».

وقرأت في الوثائق الرسمية حياة عرابي باشا وزملائه، ومن بينهم الشاعر الكبير البارودي، وحياتهم في مدن شاندي ونورليفيا. ووجدت سيدة عجوزاً عملت في بيت عرابي وكانت هي المفتاح لحياة الثائر المصري الكبير وكيف كان يرتدي الملابس البيضاء والطربوش، وكيف كان يعلم الناس مبادئ الإسلام والصلاة والصوم والزكاة، وكيف أنه أول من أدخل الكعك والبسكوت والكنافة إلى هذه البلاد، وكيف كان يلقى عظيم الاحترام.

وعثرت على وثيقة في مكتبة كولومبيا عاصمة الجزيرة لمندوب «التايمز» الذي ذهب لاستقبال عرابي باشا وسأله إن كان يقبل أن طبيباً مسيحياً يعالج زوجته؟ فقال عرابي: أوافق، فما علاقة الدين بالطب؟ وسأله إن كان يتعلم اللغة الإنجليزية، لغة العدو؟ فأكد له عرابي أنه يوافق وأن النبي عليه الصلاة والسلام دعا الى أن نتعلم لغة عدونا لكي نحاوره ولكي نأمن شره.

وسأله إن كان يوافق على الزواج من مسيحية؟ فقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قد تزوج مسيحية واثنتين من اليهود. وسأله إن كان هذا رأي كل المصريين؟ فأجابه: بعضهم، ولكن إذا تعلموا وفهموا دينهم فهماً صحيحاً فلا اعتراض على الزواج من أهل الكتاب.

وكتب الصحفي البريطاني عن هذا اللقاء أن عرابي باشا رجل ثوري لم يعط الفرصة ليحقق أحلامه المستنيرة!