درس قاس.. ولكن مهم

TT

خطورة الحرب بين روسيا وجورجيا أنها تقع بين دولة قوية ودولة صغيرة حليفة لواشنطن. حرب تقع في أوروبا، لا الشرق الأوسط. أهم درس من هذه الحرب أن الدبلوماسية الأميركية والأوروبية في أزمة، وعجز. الرئيس بوش الذي أطلق الجورجيون اسمه على طريق المطار الرئيسي في عاصمتهم لم يستطع حماية حليفه الجورجي من روسيا. بل هو الذي قال عن فلاديمير بوتين «نظرت إليه فوجدت أن الرجل واضح ومباشر ويستحق الثقة». واليوم يتندر خصوم بوش على حكمته السياسية، على عكس حكمة مارغريت ثاتشر التي قالت ذات يوم عن ميخائيل غورباتشوف «أرتاح له، وأستطيع أن عمل معه» وكان الرجل الذي على يده سقط الاتحاد السوفياتي.

وهذا ليس كل شيء، فوزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس تهكم عندما سئل ما إذا كان يثق بفلاديمير بوتين قائلا «لم أصدق في يوم من الأيام أن المرء يبني سياساته الأمنية على الثقة، بل على المصالح والواقع».

أما أوروبا فليست بأحسن حال؛ فهي عاجزة دبلوماسيا أيضا، فحتى مبادرة الرئيس الفرنسي لوقف إطلاق النار اتضح في أحد بنودها أنها تبرر للروس استمرار العمليات العسكرية في جورجيا، فالاتفاقية كانت طبخة غير ناضجة، يبدو أن لا فرق بينها وبين مبادرة التقارب مع سورية.

لا شك أن جورجيا تصرفت برعونة متجاهلة موازين القوة، والظروف السياسية، بحجة أنها ديموقراطية وحليفة لواشنطن، متناسية أن الديموقراطية نفسها استفزاز للدب الروسي. كما أن الديموقراطية التي روج لها بوش بشكل سطحي باتت أبرز ضحايا العجز الدبلوماسي الأميركي الأوروبي.

تعالوا نرصد؛ انقلاب في غزة لم تدفع حماس ثمنه، وآخر في لبنان انتهى باتفاقية مائعة، وانقلاب في موريتانيا، وأزمة في موزامبيق، وانتكاسة على كافة المستويات في باكستان، وانحسار للإصلاحيين في إيران، وفشل في أفغانستان، وعدم تحقق المصالحة الوطنية بالعراق، وانتكاسة للإجراءات الحقيقية للعملية الديموقراطية في العالم العربي. وأخيرا وليس آخرا، اعتداء روسيا على جورجيا.

ما نراه اليوم مع قرب رحيل بوش من انحسار للديموقراطية، وزعزعة للاستقرار في كثير من الدول، خصوصا في منطقتنا، يعكس حجم العجز الدبلوماسي لأميركا وأوروبا، وهو عجز مرشح للاستمرار خصوصا مع الفترة الانتقالية للإدارة الأميركية المقبلة، بصرف النظر عن هوية الرئيس الجديد. كذلك استمرار العجز الأوروبي.

خطورة هذا كله أن منطقتنا بطبيعتها السياسية الملتهبة، وسجلها في تكرار الأخطاء، مرشحة لأزمات أكبر، بغض النظر عن مرحلة الانبطاح التي تمارسها إيران وأعوانها شراء للوقت.

وعليه فإن على الدول العربية المعتدلة بلورة موقف سياسي فعال يراعي أهمية الإنجاز على الأرض، فأكثر المستفيدين من انحسار الدبلوماسية الأميركية والأوروبية هي الدول الساعية إلى زعزعة استقرار المنطقة.

وعلى الدول العربية أن تعي أن الضامن الحقيقي لاستقرارها هو تحركها بنفسها، دون انتظار الدور الأميركي والأوروبي الذي سيعاني من ركود لفترة ستكون خطرة على منطقتنا، خصوصا أن إيران وأعوانها يشترون الوقت. ملخص القول ما حك جلدك مثل ظفرك.

[email protected]