الدبلوماسية وليست الحرب

TT

نعم، العراق وأفغانستان هما المشكلتان اللتان تحظيان بالاهتمام في الوقت الحالي، ولكنهما مجرد عَرَضٌ لورم سرطاني أشد خطورة تعاني منه السياسة الخارجية الأميركية.

نظرة خاطفة على هذا المرض الأكثر خطورة: عدد العازفين في الفرق الموسيقية التابعة للجيش الأميركي أكبر من عدد الدبلوماسيين الأميركيين! وفي العام الحالي سينضم نحو 7000 جندي إضافيين إلى الجيش الأميركي، وهذا الرقم أكبر من عدد كل العاملين في الخدمة الأجنبية الأميركية، وهو القسم المسؤول عن الشؤون الدبلوماسية في الحكومة الأميركية! أضف إلى ذلك، هناك أكثر من 1000 منصب دبلوماسي أميركي شاغر لأن «الخدمة الأجنبية الأميركية» تعاني من نقص في عدد العاملين، في الوقت الذي يرفض فيه الكونغرس، في موقف يتسم بقصر النظر، تمويل خطة لاستقدام موظفين جدد بأجور متواضعة، على الرغم من أنه يمكن توظيف 1100 موظف بنفس تكلفة طائرة شحن عسكرية «سي 17». باختصار، تضخ الولايات المتحدة بشراهة كبيرة في الوسائل العسكرية، في الوقت الذي تضع استثمارات قليلة في الوسائل الدبلوماسية، والنتيجة هي سياسة خارجية يعوزها التناغم والانسجام استعدت باقي العالم، كما أنها لا تتسم بالفاعلية في التعامل مع الكثير من المشاكل الحالية. قد لا يصدق أحد أن أكثر المتحدثين لباقة وأكثرهم قدرة على تحقيق التوازن المنشود هو وزير الدفاع روبرت غيتس، الذي يقوم بمهارة بإصلاح الوضع الكارثي الذي خلفه دونالد رامسفيلد. أدلى غيتس بسلسلة من الخطابات المفاجئة التي دعا فيها إلى مزيد من الموارد لصالح وزارة الخارجية ومؤسسات المساعدة.

قال السيد غيتس: «من أهم الدروس التي نتعلمها من الحروب في العراق وأفغانستان هو أن النجاح العسكري ليس كافيا لتحقيق النصر» أشار غيتس إلى أن أعضاء الفريق الدبلوماسي الأميركي يبلغوا نحو 6500 شخص وهو أقل من طاقم حاملة طائرات واحدة، وعلى الرغم من ذلك فإن الكونغرس ليس مهتما بتوفير المزيد من التمويل لقسم الخدمة الخارجية.

وفي ظل ما كشفته الأولمبياد عن الصين في الوقت الحالي، نجد أن الأسطول البحري والقوات الجوية يستغلان حالة النهوض التي تمر بها الصين من اجل خطف عشرات البلايين من الدولارات لطائرات «إف 22» ولتوفير مقاتلات متطورة وغواصات قادرة على الهجوم، ومع ذلك فنحن نعجز عن استثمار القليل في بناء علاقات جيدة مع الشعب الصيني. ويمكن بثمن طائرة واحدة من نوع «إف 22»، أن ندير مكتبات أميركية في كافة المحافظات الصينية على مدى 25 عاما، وأن نوفر المزيد من اجل التبادل الصيني الأميركي، وتوظيف المزيد من الدبلوماسيين المستعدين للظهور على شاشات التلفاز الصيني ليوضحوا بصينية طلقة ماهية السياسة الأميركية. وبثمن وجبات الغذاء التي يتناولها جندي واحد في الجيش الأميركي، كان يمكن لوزارة الخارجية إجراء القليل من الاتصالات لدفع القيادة الصينية إلى أن تستجيب إلى غصن الزيتون الذي كان يمده الدالاي لاما، مما يساعد في ترطيب العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. ثم يأتي الدور على الشرق الأوسط. قال دنيس روس، مفوض السلام في الشرق الأوسط، إنه يشعر بالإحباط وهو يرى الموارد تنهمر على الجيش في الوقت الذي تقاتل فيه الدبلوماسية من أجل الحصول على الفتات. ويقول السيد روس إن استثمار مليار دولار فقط في توفير وظائف وبرامج لخدمة المواطنين في الضفة الغربية يمكن أن يساهم في الوصول إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني، ولكن المال ليس في متناول الأيدي. نهجنا في محاربة الإرهاب والمتمردين هو عن طريق ضرب الأشياء مع بعضها بعضا، ولكن قد يكون من أكثر الوسائل فاعلية في مكافحة الإرهاب في بلد كباكستان أو أفغانستان هو بناء الأشياء بعضها بعضا عن طريق توفير خدمة التعليم وخدمة التمويل الأصغر. قد يكون تعليم الفتيات في بعض الأحيان أفضل من الصواريخ. نظرت دراسة حديثة لمؤسسة «راند» في حال 648 منظمة إرهابية حول العالم في الفترة من 1968 حتى 2006، وتوصلت إلى أن الوسيلة الأساسية للقضاء على تلك المنظمات كانت عن طريق دمجهم في العملية السياسية، والوسيلة الثانية هي الشرطة. وفي المقابل، في 7 في المائة من الحالات كان الجيش هو من قام بتدمير التنظيمات الإرهابية. وأكدت الدراسة: «ليس ثمة حل للإرهاب في ميدان المعارك، فالقوة العسكرية عادة ما يكون لها أثر معاكس لما كان مستهدف». يجب على الرئيس القادم أن يستوعب الدرس وأن يعيد تقييم الوضع الدبلوماسي كوسيلة رئيسية للسياسة الخارجية. انظر على سبيل المثال، بالنسبة لإيران، فحتى وقت قريب لم يكن مسموحا للمسؤوليين الأميركيين المنوط بهم حل المشكلة الإيرانية مقابلة إيرانيين.

يقول نيكولاس بيرنز، وكيل وزارة الخارجية السابق للشؤون السياسية: «نحتاج إلى الاعتقاد بقوة الدبلوماسية الأميركية، ويجب ألا نعتقد أن النزاع العسكري مع إيران أمر حتمي. يجب أن يكون الدافع الأول هو العمل الدبلوماسي الدؤوب الجاد. نركز بصورة مبالغ فيها في نقاشاتنا على الخيار العسكري وقلما نتطرق إلى الخيار الدبلوماسي». ولذا، ثمة خطوة أولى علينا القيام بها: دعونا نتفق على أن الدبلوماسيين يجب أن يكون لهم نفس القدر من الأهمية في قائمة الأولويات الأميركية مثل ما يحظى به العازفون في الفرق الموسيقية بالجيش.

* خدمة «نيويورك تايمز»