أين أخطأ مشرف؟

TT

منذ اليوم الذي نفذ فيه انقلابه في أواخر عام 99 كان واضحا أن علة برويز مشرف شرعيته المنقوصة، وحاجته الى اكثر من نياشينه العسكرية، ليقنع الشعب الباكستاني انه زعيم البلاد.

حاول مرات أن يضفي على وجوده شيئا من الشرعية فانتخبه المجلسان البرلمانيان وعدد من المجالس النيابية الاقليمية ولكن سلطته كحاكم جالس على الكرسي، مشكوك فيها ومرفوضة. امتطى مشرف المؤسسة السياسية الباكستانية التي عجز عن تطويعها كل من سبقه. فقد مزقتها الخلافات، وعدم احترام القانون، منذ انشاء باكستان وحتى هذا اليوم. تسببت الفوضى الحزبية والقادة السياسيون في تكرر الانقلابات، وحالة اللااستقرار المستمرة.

مشرف، عندما كان قائدا عسكريا، انتقم من محاولة إبعاده من قبل رئيس الوزراء ورفاقه ليستولي على الحكم، ويقصي نواز شريف ويحل المجالس البرلمانية القومية والاقليمية، ويتولى ايضا مهام الرئيس ورئاسة الوزراء.

ومع ان الدول الحليفة، وتحديدا الولايات المتحدة، شجبت الانقلاب وتعطيل المؤسسات الدستورية وفرضت عليه عقوبات اقتصادية إلا انها وجدت مشرف ضرورة عليا. فقد وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر وأعلنت الحرب على «القاعدة» التي تتخذ من باكستان ممرا وأحيانا مقرا، وصار مشرف لاعبا دوليا مهما، كما اصبح هدفا للإرهاب. واجه مشرف خلال حكمه محاولات قتل عديدة أكثر من غيره، مع كثرتها لم تهز شعرة واحدة في رأسه، حيث استمر يكافح الارهاب ويتحدى خصومه.

خلال ثماني سنوات من الحكم، ميز الجنرال نفسه بالنزاهة، بخلاف رئيسي الوزراء السابقين نواز شريف، والراحلة بنازير بوتو، حيث اشتهر حكمهما بالفساد. حارب مشرف سوء الادارة الحكومية ايضا، وحققت باكستان في عهده نموا اقتصاديا جيدا، لكنها بقيت دولة مشكوكا في شرعية حاكمها داخليا ودوليا. معضلة باكستان متجذرة، تكمن في نظامها الديموقراطي الفارغ، الذي تهيمن عليه قوى قبلية ومراكز نفوذ متقاتلة جعلت البلاد فوضى لاكثر من نصف قرن، بخلاف جارتها الأم الهند التي رغم مشاكلها ونزاعاتها السياسية الداخلية حافظت على نظام ديموقراطي حقيقي لم يقفز عليه العسكر.

لقد أخطأ الجنرال مشرف عندما خلع بذلته العسكرية وقرر ان يكون ملكا على البلاد. اصبح مثل البقية يفكر كل صباح كيف يحافظ على حكمه حتى نهاية اليوم. لو ان مشرف عمل مثل قادة الجيش الاتراك، او العسكر الهنود، ونصب نفسه حارسا على سلامة النظام السياسي وحمى الديموقراطية، لصار رجلا عظيما حتى هذا اليوم. مشرف اختار ان يكون رئيسا فانتهى مثل من انقلب عليهم، يصارع على الحكم مع الاحزاب والقوى المختلفة، الى أن لفظه اقرب الناس إليه. بكل أسف المستقبل الباكستاني يستعيد تاريخه، يأتي رئيس وزراء مدني، وعلى الارجح باختيار شعبي، ثم تنحدر الامور كالعادة نحو الفوضى ليهجم عسكري جديد مرة خامسة، وتتكرر المسرحية.

[email protected]