ظل «حيط» ولا ظل «راجل»!

TT

حينما دب شجار بين جارتين أثناء مروري في حي شعبي بإحدى العواصم العربية تعالى صوت إحداهما في وجه الأخرى صائحا:

ـ «ياااالهوتي.. العايرة البايرة اللي فاتها قطار الشباب ونسيوها الخطاب عايزة تخطف زوجي»!

ولم يختلف الحال حينما دب الخلاف بين السيناتور الأمريكية باربرا بوكسر مع وزيرة الخارجية كونداليزا رايس فلم تجد ما تعاير الأولى به الثانية سوى تذكيرها بعنوستها، فالعنوسة هي العنوسة حتى في أحدث المسوح السكانية التي أجريت في السعودية أخيرا، وأظهرت أن نسبة العنوسة 2.6% أي أن ثمة عانسا بين كل 16 فتاة سعودية، على اعتبار أن العانس هي من بلغت من العمر أكثر من 30 عاما دون أن تتزوج.. وقد تخيلت جحافل الذين سيهبون لنجدة المرأة وتخليصها من عنوستها، ففراش المدرسة الشهم الذي تزوج المديرة واثنتين من المعلمات سيضيف إليهن الرابعة بكل أريحية إسهاما في حل مشكلة العنوسة، وصاحب مكتب العقار الذي جمع بين العقار والوساطة في زواج المسيار سيجني الكثير من الأموال من تعبئة استمارات تحديد المواصفات، وكذلك صاحبي الذي يحمل في كل مرة فقره وعوزه وهزاله ليضيف إلى العش أنثى جديدة كطائر «الكاسيك» سيجد في نتائج تلك الدراسة دعما لقناعته.. ومن يدري فقد تضاف أنواع جديدة من الزواج إلى قائمة «المسيار»، و«المسفار»، و«المصياف»..

والأرقام التي تتردد حول عدد العوانس في السعودية مطاطة والفارق فيها غير منطقي، فثمة من يقول بوجود مليون عانس، وثمة من يرفع الرقم إلى مليون ونصف المليون، وأحدث دراسة تشير إلى أن عددهن يزيد على 180 ألف فتاة، ومهما يكن الرقم فإننا في حاجة إلى إعادة تعريف مصطلح العنوسة في ظل الكثير من المتغيرات، خاصة أن مسمى العنوسة يتضمن تقليديا الكثير من الارتباطات السلبية في الأذهان.. فتأخر زواج المرأة اليوم له مبرراته ومنها: الانشغال في التعلم، إضافة معايير جديدة في الشخص الذي تقبل به المرأة، الاستقلالية المادية التي تعيشها المرأة العاملة، الخوف من الفشل في الزواج في ضوء ارتفاع نسب الطلاق، وتدني نسبة الوعي بالحياة الزوجية بين الذكور.. كل ذلك وغيره جعل تأخر سن الزواج اختياريا لدى نسبة من الفتيات وليس قسريا كما يوحي به مصطلح العنوسة.

في الماضي كانوا يقولون: «ظل راجل ولا ظل حيط»، واليوم لو يطاع لكاتب أمر لقلت: إن ظل «الحيط» في بعض الأحيان بالنسبة للمرأة أكثر أمانا من الاحتماء بزوج لا ظل له.

[email protected]