لماذا فشلت الحرب على الإرهاب؟

TT

هل غير المحافظون الجدد منهجيتهم؟ هل اعترفوا بخطئهم أخيرا؟ هذا ما يمكن ان نستنتجه من التقرير الأخير الصادر عن أهم معهد للتحليلات الاستراتيجية التابع للبنتاغون والذي يضم عتاة المحافظين الجدد. (معهد راند). وهو يضم نخبة من كبار المثقفين والسياسيين. ويبلغ التقرير مائتي صفحة من الدراسات والإحصاءات الدقيقة التي تركزت على 648 جماعة مدعوة إرهابية من قبلهم. وكانت قد شغلت العالم بين عامي 1968 ـ 2006: أي على مدار أربعين سنة تقريبا. لقد درسوا كل شيء عن هذه المجموعات من حيث عدد أعضائها وأهدافها وإمكانياتها المالية وتوجهاتها السياسية أو الدينية وأراضيها أو أماكن وجودها. وطبقا لما جاء في تقرير هذا المركز التابع للبنتاغون فان الجماعات الإرهابية نادراً ان تحقق أهدافها. وحدها 27 مجموعة أوقفت عملياتها التفجيرية بعد ان حققت أهدافها السياسية. ومن بينها جبهة التحرير الوطني الجزائرية! (لاحظ أنهم يصنفونها في خانة الجماعات الإرهابية في حين أنها حركة تحرر وطني من الاستعمار الفرنسي وتمثل شعباً بأسره). هنا يكمن خلل كبير في تفكير المحافظين الجدد. فهم لا يعرفون أن يفرقوا بين الحركات الإرهابية الحقيقية كعصابة الألوية الحمراء في إيطاليا مثلا وحركات المقاومة الشرعية ضد الاحتلال.

وهناك 114 حركة إرهابية أوقفت نشاطها بعد أن عقدت اتفاقا سياسيا مع الدولة التي تتمرد عليها. وهناك 107 حركات تمت محاربتها بوسائل استخباراتية عن طريق اختراق خلاياها واعتقال قادتها وتطوير التشريعات المضادة للإرهاب. وهناك 20 مجموعة فقط تمت تصفيتها على أرض المعركة بوسائل عسكرية.

لكن ماذا عن «القاعدة»؟ يرى التقرير ان طموحاتها وأهدافها أكبر منها بكثير. فهي تهدف إلى قلب الأنظمة الحاكمة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، أي المغرب العربي والمشرق العربي بحسب لغتنا نحن. ولكن حظها في تحقيق ذلك يقارب الصفر. بالمقابل يعترف التقرير بأن حظ أميركا والغرب في القضاء عليها بوسائل عسكرية وعلى ارض الوغى يقارب الصفر أيضا. وهنا يعترف المحافظون الجدد لأول مرة بفشل الاستراتيجية التي بلوروها بعد 11 سبتمبر وأقنعوا إدارة الرئيس بوش بها. فقد عجزت عن ان تعطي ثمارها على الرغم من كل الإمكانيات المالية واللوجستيكية والعسكرية الموظفة في العملية. والسبب هو ان القصف الجوي والخسائر الجانبية الناتجة عنه تؤدي إلى زيادة غضب السكان المدنيين والتحاق بعضهم بالجماعات المسلحة التابعة للقاعدة أو سواها. وهكذا أدت هذه الاستراتيجية إلى عكس النتيجة المتوخاة منها.

وهنا يعترف التقرير بأن الحرب الأميركية على الإرهاب فشلت فشلا ذريعا، ويقترح عدة أفكار جديدة لتعديلها وجعلها اكثر فعالية. من بين هذه الافكار اقناع رجال الدين انفسهم بدعم الحرب على المتطرفين. وأكبر دليل على أهمية هذه الفكرة وفعاليتها ما حصل في افغانستان. فقد أصدر مجلس كبار علماء الدين هناك فتوى تقول إن منفذي العمليات الانتحارية او الكاميكاز لن يدخلوا الجنة ولن يتمتعوا بالحور العين! وكانت النتيجة ان هذه الفتوى البسيطة أقنعت المجاهدين الراغبين في تنفيذ هذه العمليات التفجيرية بالتراجع عن مخططهم بنسبة كبيرة.

وهذا يعني ان الفتوى اللاهوتية بدت اكثر فعالية بكثير من أطنان المنشورات الدعائية التي اسقطها الطيران الاميركي على السكان من الجو. بل وأكثر فعالية من القصف الجوي نفسه. هل استخلص منظرو (معهد راند) من هذه الحادثة النتائج الصحيحة؟ نشك في ذلك. لأنهم لو استخلصوها لكفوا عن اتباع سياسة القمع والردع ولدعوا الى سياسة اكثر انسانية وتفهما لآلام الشعوب. فالحرب على الارهاب ينبغي ان تكون اولا على الاسباب التي تغذيه: كالفقر والجوع والأمية والجهل ومدن الصفيح، والحياة التي لا تطاق في افغانستان او العراق او بيوت المقابر في مصر، الخ.. ولعل أوباما اذا ما نجح ان يمشي في هذا الاتجاه الإنساني. لو كان العالم المتحضر ذا نزعة انسانية حقيقية لجفف الينابيع التي تغذي الظاهرة الاصولية الارهابية من منبعها وجذورها.

ولكن هذا يكلفه صرف مليارات الدولارات ليس على قصف الناس وانما على تنمية مناطقهم وفتح المدارس الحديثة فيها وكذلك الطرق المعبدة والمشافي وكل الخدمات الاساسية التي تليق بالبشر. الاتحاد الاوروبي مشى في هذا الاتجاه عندما قدم مبلغا ما لباكستان لكي تغلق المدارس الاصولية التي تفرخ الطالبان تفريخا وتفتح مدارس جديدة. ولكن المبلغ كان زهيدا جدا ولا يشفي الغليل. كم كلفت الحرب على الارهاب في العراق وأفغانستان؟ مئات المليارات من الدولارات. لو صرف عشرة في المائة منها على نظام التعليم والصحة لتغيرت البرامج والعقليات التي تخلع المشروعية الالهية على الإرهاب.