إضاءة

TT

استقال الرئيس حسين الحسيني من البرلمان اللبناني، حاملا كتابه بيمينه، وفي نهاية جلسات صاخبة تردى فيها مستوى الأداء النيابي إلى أسفله، خرج الرجل الهادئ يبحث في الضوء عن المجلس الذي كان ذات يوم شهادة الاستحقاق للحياة السياسية في لبنان. أنا، كمواطن، كان حسين الحسيني نائبي في البرلمان. وكنت كلما شعرت باليأس من الابتذال الذي وصلنا إليه، أتطلع إلى هذا المعلم الذي يمثل مدرسة الضمير ومعهد الدستور والإلفة الوطنية وخطاب القيم.

لم يرد حسين الحسيني أن يصنع بطولة. فالخروج من المجلس الذي بقي مغلقا عامين ثم فتح على سباب وشتم، ليس عملا صعبا. فلا أسف ولا ندم. لكنه أراد أن يؤكد موقفا مما وصل إليه الدرك السياسي في لبنان. وبالتأكيد لم يتبعه أحد، لأن التواطؤ مع الكرسي في لبنان، هو القاعدة، وليس الخروج منها أو الخروج عليها.

لا أدري أيهما أفضل: أن تحط الممارسة الديموقراطية إلى هذا المدى أو أن تهلك مرة واحدة كما حدث في نواكشوط حيث تكرر المشهد الانقلابي ببلادة خالية من أي تجديد: أربعة ضباط يدخلون على الرئيس وهو يتناول فطوره مع زوجته وأولاده الثلاثة ويأمرون الرجل المنتخب باقتضاب: سيادة الرئيس تفضل اتبعنا.

إلى أين؟ إلى عالم الانقلابات والديكتاتوريات الذي دخلته موريتانيا عام 1978. ومنذ ذلك الوقت فتحت على نفسها أبواب التدخل الخارجي من العراق إلى... إسرائيل. ومنذ وصولهم يحاول العسكريون أن يبرروا ما فعلوا، ولكن الأسباب تبدو مزعجة لا مقنعة.

يشكل رجال مثل حسين الحسيني ضمانة أخلاقية، ويبعثون الطمأنينة في نفوس الناس، سواء كانوا تحت قبة البرلمان أم لا. ولعله يعرف مثل سواه أو أكثر، أن العودة إلى لبنان موسى الصدر وتقي الدين الصلح وفؤاد شهاب، أصبحت مستحيلة. لكنه لا يستطيع الانضمام إلى اليأس العام وإلى صف التردي شبه العام. لم يبق سوى بضعة اشهر على موعد الانتخابات النيابية المقبلة. وفي الاستقالة درس، أو نداء، للذين يريدون العودة إلى المظلة الدستورية، وإلى البحث عن سبل الوفاق بدل المضي في هاويات الفرقة. لقد أعطيت حكومة «الوحدة الوطنية» الثقة بمائة صوت بعد عرض رديء للانقسام الوطني. وكان الأفضل أن تنال الثقة بأكثرية هزيلة من دون أن يعرض على اللبنانيين والعرب هذا المشهد المفزع. لم يطفئ حسين الحسيني الأضواء خلفه وهو يخرج بل أضاءها.