هلاهل ثالثة

TT

أثار ما كتبته عن اليهود الشرقيين في إسرائيل وانتقادي لهم على تأييدهم للكتلة اليمينية كثيرا من النقاش بينهم، ولا سيما بين العراقيين منهم. وهو في الواقع موضوع يستحق النقاش كثيرا. فبإمكانهم قلب السياسة الإسرائيلية وتحويلها نحو التعاطف مع حقوق الفلسطينيين والتفاهم مع الدول العربية للتوصل إلى سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط وحسم هذا الصراع الذي طال أمده بما لا يتقبله العقل ولا ينفع الإنسان.

هكذا شغل هذا الموضوع تفكيري مرارا. المفروض في الإسرائيليين من أصل عربي أن يفهموا حقوق عرب فلسطين، أبناء عمومتهم عرقيا وإخوانهم تراثيا والورثة الحقيقيين لجينات بني إسرائيل. ولكن هذا لم يحدث وظل الشرقيون يتميزون بالتطرف ضد الفلسطينيين. وهو أمر عجيب، فالفلسطينيون بالذات لم يسيئوا لهم بشيء.

لم هذا التطرف الشرقي ضد العرب؟ الجواب المعتاد هو أن اليهود العرب تعرضوا للاضطهاد العربي قبل هجرتهم لإسرائيل فظلوا يحملون الحقد ضد العرب. هذا جواب غير مقنع لتفسير الاختلاف بين سلوك الاشكناز (الإسرائيليين من اصل أوربي) واليهود الشرقيين. يهود البلاد العربية لم يتعرضوا لما تعرض له يهود أوربا من اضطهاد. من بين كل اليهود العرب، لم يتعرض لاضطهاد حقيقي ودموي غير اليهود العراقيين. تسمعهم دائما يشيرون إلى مذبحة الفرهود (عام 1941). الواقع أن الضحايا اليهود في هذه المذبحة لم يتجاوزوا الخمسين قتيلا. أين ذلك من الستة ملايين الذين أبادهم هتلر في المحرقة؟ ومع ذلك فاليهود الأوربيون هم الذين يتفهمون حقوق الفلسطينيين ويساعدونهم في كثير من الأحوال.

علينا أن نبحث عن تفسير آخر لهذا التباين في السلوك. وقد وجدته في تباين التربية والثقافة والتراث. اليهود الشرقيون شرقيون في خلفيتهم. تربوا ونشأوا على تراث القرون الوسطى، تراث تقبل الاستبداد وتجاهل حقوق الإنسان وتحمل الاضطهاد. اليهود الغربيون تربوا وتثقفوا بمبادئ الثورة الفرنسية والديمقراطية والاشتراكية واحترام حقوق الإنسان. اليهود الشرقيون آمنوا عموما، بما قرأوه في كتبهم الدينية وأن الله وعد بني إسرائيل بأرض فلسطين. اليهود الغربيون آمنوا بما كتبه ماركس وروسو وتوم بين وداروين. البشرية كلها أسرة واحدة. كلنا أبناء ضفدعة والضفدعة بنت سمكة والسمكة بنت أميبيا و.. و..

الاختلاف في الثقافة والتربية والخلفية هو الذي أعطى هذا التباين بين سلوك الأوربيين والشرقيين في إسرائيل. الواقع أن هذا الاختلاف يتجسم أيضا في التعامل مع المرأة. المرأة الإسرائيلية الشرقية مواطنة درجة ثانية أمام زوجها، تدين له بالإخــلاص والطاعــة والخدمة. المرأة الإسرائيلية الاشكنازية تتصرف كامرأة أوربية.. الند بالند.

الواقع أن سلوك الإسرائيليين الشرقيين لا يختلف كثيرا في جوهره عن سلوك بعض المنظمات الأصولية.. سلوك يقوم على كره الإنسان لأخيه الإنسان وتميز ذاته عن ذوات الآخرين، تميزا يعطيه الحق في الدوس على حقوق الآخرين وأرواحهم.

www.kishtainiat.blogspot.com