شعب واحد في سفارتين!

TT

«القمة» الرئاسية التي عقدت مؤخرا في العاصمة السورية بين الرئيسين السوري واللبناني، عوملت في الإعلام العالمي عموما، وفي الإعلام العربي تحديدا، وكأنها قمة بين القطبين الأمريكي والسوفيتي أيام الحرب الباردة. طبعا كانت هناك رمزية مهمة لهذا اللقاء، في لقاء بدأت أحداثه عن طريق زيارة جوية، أقلعت طائرة الرئيس اللبناني خلالها من مطار بيروت لتحط في مطار دمشق، ويكون في استقبال الرئيس وعقيلته نظيراهما السوريان، وهذا طبعا مشهد «جديد» ومختلف عن الزيارات «البرية» والسريعة و«الجافة» التي كانت تحصل سابقا. ولعل أبرز نتيجة لهذه الزيارة كان الاعتراف الدبلوماسي المتبادل بين البلدين، والاستعداد العملي لفتح السفارتين في دمشق وبيروت.

غريب أمر سورية ولبنان وعلاقاتهما العجيبة، ففيما تسعى الدول المتحضرة كأوروبا مثلا في إزالة السفارات والحواجز بينها، تسعى أكثر دولتين متشابهتين في العالم العربي إلى تكريس الانفصال. وهذة الحالة «المؤقتة» من المفروض أنها ستتغير (نظريا على الأقل) في حالة تغير الوضع في منطقة الهلال الخصيب، بعد إرساء نوع من التوافق البيني في دوله، فيحصل نوع من التكامل الاقتصادي تماما، كما هو المنشود بين دول مجلس التعاون الخليجي.

لبنان وسورية يشتركان في الكثير من العناصر المتوافقة. جغرافية متشابهة، عوامل متشابهة، لغة واحدة، طوائف وديانات متشابهة، كلها كان من المفروض أن تجعل الدولتين متكاملتين، بدلا من علاقة سيد وعبد. التغيير آت وسيتسارع حين يتم الخلاص من العبقرية الناصرية والجهبذة البغيضة التي دمرت البلدين والمنطقة بسياسات تحريضية، كانت أكبر ضحاياه الشخصية العربية والاقتصاد العربي، عن طريق سياسات التخويف والتدمير والتأمين والترهيب، وبعيدا عن نظرية أنطوان سعادة، وفكر الحزب القومي الاشتراكي السوري، الذي كان ينادي بدولة سورية الكبرى، ويروج أن «الشعب السوري» هو أعظم شعوب العرب، وهي نظرية تذكر بالطرح النازي والفاشي، الذي كان سائدا وقتها، ومنتشرا في أكثر من بقعة ساخنة في العالم.

بعيدا عن هذا الطرح من الممكن التمعن وبقوة في المزايا الحقيقية لعلاقة سوية وغير متشنجة بين سورية ولبنان، واضحة جدا لكل منصف وسوي وعادل، ولكن حينما تدخل عناصر خبيثة وسامة على هذه «الخلطة»، لتحولها إلى منبر لترويج طروحات سياسية واجتماعية ودينية مفرقة ومرهبة ومدمرة، وقتها لن يقوم لهذا التكامل أي قائمة، وسيكون مصير العلاقة الفشل التام والدمار الكامل.

نعم هناك سفارتان بين دمشق وبيروت، ولكن الخلل في العلاقة أكبر من أن يحل في سفارتين، فالشعب الواحد، الذي في بلدين تحول لطوائف في بلدين، واليوم قد يتحول هذان البلدان إلى أربعة عما قريب، إذا استمر الشعبان يولدان طوائف متناحرة كما هو الحال الآن.

[email protected]