مجانين أم عباقرة؟

TT

في حياتنا اليومية نعيش مع بعض الناس الذين يحيون على التخوم بين العبقرية والجنون، أناس أذكياء جدا يدهشوننا بمنجزاتهم، وفي نفس الوقت قد يستفزوننا بغرابة بعض سلوكياتهم، فيصعب علينا تصنيفهم في قائمة العقلاء أو المجانين، ولنا صديق إعلامي سعودي معروف عمد منذ سنوات إلى إجراء تصنيفات لأصدقائه الأدباء والإعلاميين، وخصص لذلك سجلا يحوي أصدقاءه المجانين، وآخر لأصدقائه العباقرة، وحينما التقيت به قبل عام سألته عن سجلي العباقرة والمجانين اللذين يحتفظ بهما، فقال في ثقة:

ـ «لقد خلطتهما في سجل واحد بعد أن اكتشفت أن المسافة بين الفريقين متداخلة جدا».

وما توصل إليه صديقنا الإعلامي له الكثير من الشواهد في حياة مشاهير العباقرة، فمما يروى عن الكاتب الفرنسي العبقري بلزاك أنه كان يسير في شوارع باريس، فينشغل عن كل مفاتن تلك المدينة الأنثى بجمع أرقام البيوت، فإذا شكل المجموع مضاعفات الرقم «3» اعتبره فألا حسنا وإلا فإنه يعود إلى منزله ليبدأ مشواره عبر شارع جديد، وأرقام جديدة.. ولكم أن تتخيلوا أديبا كبيرا كبلزاك يهيم في الشوارع يطرح ويجمع ويضرب ويقسم قبل أن يصل على غايته!

ولم يكن الفيلسوف العبقري جان جاك روسو صاحب مؤلف «العقد الاجتماعي» بأحسن حال من بلزاك، فلقد كان أسيرا لنزعة الشك التي طالت كل من حوله، وأجبرته على أن يتحول من فيلسوف إلى طباخ لا يأكل إلا مما طبخت يداه خشية أن يدس السم له، وقد تمادى به الوهم إلى الدرجة التي كان يظن بأنه وحده المهدد بزمجرة الرعد، ووهج البرد!

كما كان رائد المسرح العبقري النرويجي هنريك أبسن يعيش حالة عشق نرجسي مع ذاته إلى الدرجة التي كان يعلق مرآة في قبعته ليرى صورته من حين لآخر، وفي المرة الوحيدة التي سقطت فيها المرآة وكسرت انزوى حزينا، خائفا، وباكيا، معتبرا ما حدث فألا سيئا في علاقاته بذاته!

والسؤال الذي يطرحه العوام دائما: هل بين العبقرية والجنون شعرة إذا انقطعت اختلطت العبقرية بالجنون، والجنون بالعبقرية؟ له في سجالات العلماء شيء من الحضور، فثمة عدد من المفكرين وعلماء النفس والفلاسفة انشغلوا قبلهم في بحث هذه العلاقة بين مؤكد لوجودها وبين ناف لها، ولكل فريق شواهده واستدلالاته.. ومن المؤكد أن بين القراء الآن من يحمد الله على سلامته من العبقرية، ويؤثر أن يعيش حياته عاديا في سكينة وسلام من أن يكون عبقريا يتهدده الجنون.

[email protected]