عقدة الزعامة الشيعية عند السنة

TT

تذمر أحد رجال الدين السنة، في مدينة طرابلس اللبنانية، من ان المجتمع السني لا يسمح، بخلاف الشيعي، لرجال الدين ان يقودودا المجتمع سياسيا. وأشار الى ان الشيعة «نجحوا» لأنهم سلموا القيادة لمراجعهم الدينية، فيما فشل السنة في لبنان، وخسروا معاركهم السياسية والعسكرية والفكرية.

والحقيقة ان المتحدث يعبر عن كوامن كثير من القيادات الدينية السنية المتطلعة الى الحكم. وصراع المتدينين مع الانظمة على السلطة ميز حقبة التسعينيات، ولايزال السبب الرئيسي في أزمة المنطقة حتى هذا اليوم، دون ان يصرحوا بعبارة ان الحكم لرجال الدين.

كثير منها وسعت نشاطها الى ما وراء المسجد، وبعضها استولت على الحكم مباشرة، او صارت تؤثر عليه، والبقية في حال نزاع عليه، ونحن نتحدث هنا عن الدول السنية.

أعرف انه موضوع معقد وطويل ولن أكون منصفا في نقاشه في زاوية ضيقة كهذه لكنه في غاية الاهمية، كونه يلامس عصبا حساسا في المجتمع العربي حول من هو الأجدر بالقيادة. ولحسن الحظ اننا لا نخلو من تجارب حكم اسلامية مختلفة بينها. فحماس تحكم غزة، وانقلابيو عام 78 يحكمون السودان حتى هذا اليوم، وحزب العدالة يحكم تركيا. ويستطيع اي متابع ان يرى فوارق مذهلة بين الأول والثاني والثالث. فالنموذج الاسلامي التركي عمليا لا علاقة له بالاحزاب الاسلامية السنية والشيعية، بل يتميز بليبرالية عالية تعجز عن تقليدها حتى بعض النخب الليبرالية العربية المزعومة مثل العسكرية. التجربة الاسلامية التركية لا تعجب القيادات الدينية العربية التي تميل الى الايرانية. فالناشطون الاسلاميون السنة يغارون من التجربة الايرانية لانها سلطة مطلقة ودائمة، اما التركية فديموقراطية يتداولها من يقنع عامة الناس.

كما ان وصول المتدينين الى الحكم الايراني بقوة الهمهم، وهو الذي دفعهم الى المحاولة. بعدها زاد عدد الأصوليين المشتغلين في التنظير السياسي اكثر من الديني، فصار بعضهم يدعي الديموقراطية على امل ان يصل عبر الصناديق الانتخابية، وبعضهم يرفع السلاح لازاحة الحكم القائم، وتبنى البعض افكارا شعبية هدفها تحريك الشارع اقتصاديا وسياسيا ودينيا. ومن اجل الهدف النهائي، أي الوصول الى السلطة، اريق في الطريق الكثير من الدماء وبثت الفوضى.

وصول الملالي الى السلطة في ايران اقنع كثيرين في الساحة السنية ان الحكم حق ديني لا مدني، وبعضهم يجاهر بان من يحكم اليوم لا شرعية له. انما تقليد السنة للشيعة هذا يتجاهل اختلافات التفسير وتقاليد كل طائفة، حيث يفاخر السنة بانهم ضد تقديس المرجع، بل ضد مبدأ المرجعية الواحدة بشكل كامل، لكننا نعرف ان حب السلطة نازع بشري لا ديني، فالسلطة تخطف قلب كل طموح سواء كان مثقفا او عسكريا او سياسيا او داعية.

وخلال الجدل المستمر تركز النقاش معهم دائما حول التفاصيل، لا على مفهوم الحق في السلطة حيث يفترض ان يفهم طلابها سبب الاعتراض عليهم. فنحن في مجتمع متخصص في زمننا المعاصر، كما ان التاريخ الاسلامي تميز بان كرسي السلطان غير كرسي الفقيه.

أيضا، طالما ان التجربة الايرانية هي الملهم لرجال الدين السنة المتحسرين على حظهم فان الصواب ان نراجع تجربة قم السياسية ونحكم عليها، ونرى ان كان من الصالح العام ان يكون الحاكم رجل دين ام لا.. وللحديث بقية.

[email protected]