باكستان بعد مشرف

TT

لقد جاءت استقالة الرئيس برويز مشرف هذا الأسبوع بعد تسع سنوات من الحكم انتصارا كبيرا للمعارضة الباكستانية وقوى الديمقراطية التي ما زالت في مهدها. ومع ذلك فإن هناك العديد من العوائق التي تحول دون وجود فعال لحكومة مدنية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة سوف تتوقع التغيير بسرعة، إلا أنه يبدو أن ذلك ليس بالسهولة التي تتخيلها.

وقد تم إجبار ثلاثة من آخر أربعة قادة عسكريين حكموا باكستان على الاستقالة من قبل القوى الشعبية، لكن كل السياسيين الذي اتبعوا الجيش فشلوا في الاستفادة من الرغبة الشعبية في الديمقراطية والتطوير الاقتصادي وتم إجبارهم في آخر المطاف على التخلي عن مناصبهم من قبل الجيش ومواجهة تهم بالفساد وعدم الكفاءة.

وتشمل آخر الموضوعات الساخنة على الساحة الباكستانية ذلك الصراع الطويل الأمد بين السياسيين في باكستان والعلاقة بين الحكومة المدنية والجيش. وقد قام حزب الشعب الباكستاني بتشكيل الحكومة ويرأسه الآن عاصف علي زارداري، وهو أرمل رئيسة الوزراء السابقة بناظير بوتو، لكن حزبه شكل الحكومة من خلال تحالف معقد من عدة أحزاب.

ومن أبرز شخصيات حزب الشعب الباكستاني رئيس الوزراء السابق نواز شريف، وهو رئيس حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية والذي لم يتوان عن محاولة هزيمة حزب الشعب الباكستاني منافسه التقليدي بدلا من العمل معه للاحتفاظ بالقدر الذي تحقق من الديمقراطية في هذا البلد.

وبعد إقالته بانقلاب مشرف العسكري عام 1999 وبعد إذلاله من قبل الجيش، فإن شريف يعارض التنازل للجيش ولا يقدم دعما للحرب ضد متطرفي طالبان. ومع انشغاله بتصريف أعمال حزبه اليميني فإن لديه القليل من الوقت لتحقيق المطالب الأميركية. ويعتقد شريف أن شعبيته ومقاعده التي حصل عليها في البرلمان سوف تقوده إلى رئاسة الوزراء في نهاية المطاف.

وفي الأيام القليلة المقبلة، فإن المعارك الداخلية بين أحزاب الائتلاف الحاكم سوف تستمر حيث تظهر أسئلة كثيرة، منها: أين سيعيش مشرف وهل تتم مواصلة إجراءات سحب الثقة، وكيف ستتم إعادة القضاة الذين أقالهم مشرف في العام الماضي، ومن سيخلف مشرف في منصب الرئاسة.

ويتتبع نواز شريف خطا متشددا بينما يرغب زارداري في التحرك البطيء وعدم مواجهة الجيش من خلال المزيد من إذلال مشرف القائد الأعلى السابق للجيش.

ويشعل المزيد من الصراع داخل التحالف من خلال عدم الثقة المتبادلة بين الجيش والأحزاب. فعدم ثقة الجيش في حزب الشعب الباكستاني ترجع إلى 40 عاما وكذلك فإن الجيش لا يحب شريف.

وفي الأشهر الستة الأخيرة فإن الجيش والحكومة فشلا في العمل معا على مكافحة طالبان باكستان والتي تتدفق عبر الحدود الشمالية الغربية لباكستان ولم تستطع منع مقاتلي طالبان من عبور الحدود والمحاربة في أفغانستان.

ويرغب الجيش الذي لا يحظى بدعم شعبي من الحكومة المدنية أن تأخذ على عاتقها المسؤولية السياسية من خلال تعقب المتطرفين. وليس لدى شريف أي نوايا لفعل ذلك. وفي الوقت نفسه، فإن الاقتصاد في موقف لا يحسد عليه حيث ارتفع معدل التضخم إلى 25 بالمائة كما أن الحكومة لم تستطع رفع ثقة المستثمرين.

وسوف تستمر الفوضى التي خلفها مشرف وراء ظهره في التأثير على باكستان والعالم لعدة أشهر. ومن المرجح أن المجتمع الدولي سوف يشعر بمزيد من القلق حول المتطرفين في باكستان وتنامي قوتهم وزيادة نفوذهم.

وقد ازدادت الضغوط على الحكومة والجيش بسبب التهديدات المتزايدة من قبل الولايات المتحدة وحلف «الناتو» بأنه يجب على باكستان أن تساعد في القبض على أسامة بن لادن وأن تفعل المزيد من أجل إيقاف هجمات طالبان، وإلا فإنها سوف تواجه قيام الولايات المتحدة بشن الهجمات على طالبان داخل الأراضي الباكستانية.

وتقع مسؤولية تدهور الأوضاع إلى هذا الحد على مخالفة مشرف لقواعد الديمقراطية وفشله في استغلال الفرص التي سنحت له من خلال التحالف مع الغرب في الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر. وقد تلقى مشرف الكثير من المساعدات المالية التي وصلت إلى (11 مليار دولار من واشنطن وحدها) وغير ذلك من الدعم الدولي لكنه فشل في استغلال كل ذلك للمصلحة العامة.

وقد تلاعب في انتخابات عام 2002 كما قام بإفشال محاولات الانتقال السلمي للديمقراطية. وبعد أن خرج ملايين الباكستانيين إلى الشوارع في العام الماضي، مطالبين بحكم القانون، فإن مشرف فرض حالة الطوارئ. وتحت ضغط الرأي العام تم إجباره على تخفيف هذه الإجراءات ووافق على عقد انتخابات حرة في فبراير (شباط) حيث فاز معارضوه السياسيون.

وفي الوقت نفسه، فإن علاقة مشرف مع الغرب لم تكن تسير في طريقها السليم حيث كانت طالبان تحقق الانتصارات في أفغانستان مستخدمة قواعدها في باكستان كنقطة انطلاق لها. كما كانت هناك مشكلة الملاذات الآمنة لطالبان في الأراضي الباكستانية حيث كانت قبائل الباشتون الباكستانية تحمي بن لادن وطالبان أفغانستان عندما انسحبت إلى باكستان عام 2001 بل إن هذه القبائل تحولت إلى الاقتناع بأفكار طالبان. وكونت هذه القبائل الميليشيات الخاصة بها والتي تحمل أجندتها الخاصة بها كذلك: أن تحكم باكستان وتحولها إلى ولاية إسلامية على نمط طالبان. وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي تم اغتيال شخص كان يمكن أن يوحد باكستان كلها وهذا الشخص هو بي نظير بوتو رئيسة حزب الشعب الباكستاني.

وينظر معظم الباكستانيين إلى الحكومة الائتلافية على أنها الفرصة الأخيرة لبلادهم من أجل تحقيق الديمقراطية، ويرغب الشعب الباكستاني في أن تتحقق هذه الفرصة. وعلى الجيش والحكومة والمجتمع الدولي أن يعملوا معا من أجل أن تبدأ باكستان في حل مشكلاتها الحقيقية.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»