دنيا محمد شكري «جوهرية الله ينصرك»

TT

ثمة مدينتان تحملان اسما واحدا: طنجة الحديثة، البولفار والكورنيش ومباني العشرين طابقا والتوسع العقاري المذهل والتزايد السكاني. وثمة طنجة الأولى، العتيقة مثل حكايات السلاطين، القائمة منذ مقامات الأولياء، والمكتظة بعالمها الذي يتغير أهله ولا تتغير حجارته ولا زنقاته الضيقة مثل عصب متعب، الملتوية مثل الأنهر الحائرة.

كنت دائما أتساءل لماذا يستخدم المغاربة «زنقة» بدلا من «زقاق» وإذا ضاقت علي الزنقات في «قصبة» طنجة شعرت بضيق في القصبة الهوائية وكدت أعود مدبرا إلى ساحة «9 أفريل» وفنائها الوسيع، لكنني كنت قد قطعت المسافة الأكبر نحو عالم محمد شكري، الذي ارتبطت طنجة القديمة باسمه حتى تلازما، فقره وزنقاتها، نزقه وضيقها، يأسه ومتاهاتها.

جاء محمد شكري إلى هنا من تطوان، حيث نشأ مشردا في الأزقة ينام الليالي في المقابر وكان يحمل معه حياة من أعقاب السجائر وبيع الدخان المهرب وذكريات الأم البائسة والأب الفظ. ووجد هنا، في «السوق الداخلي» العالم الذي سوف يبقى فيه إلى يوم الرحيل. بدأ العمل نادلا في مقهى «رقاصة» الصغير، ولما تحسنت به الحياة انتقل زبونا دائما إلى مقهى «السنترال» المجاور.

هنا سوف أعرف أن إخواني في المغرب يسمون محال المجوهرات «جوهرية». وقد توقفت مع لفيف من الإسبان أمام «جوهرية الله ينصرك» من دون تحديد المنصور: هل هو دعاء للشاري أم للبائع؟ في قلب هذه الدنيا أمضى محمد شكري حياته. يتأمل ما هو فيه ويرقب ما حوله ويروح يكتب السيرتين: هو والمدينة أو المدينة وهو. وهي سيرة متلازمة أو متواطئة، مع الكثيرين من جيله ومرحلته. جيل ما بعد الاستعمار وما بعد الاستقلال.

إذا أردت أن أسمع عن محمد شكري، يقول لي نادل «الكافيه سنترال» باقتضاب جاف، فهذا هو الفنان عمر محفوظي، أجلس إلى جانبه، أتخذ مقعدي فإذا أمامي كل عالم محمد شكري: مواجهتي مقهى فوينش، ومحل «فلافل وكابوتشينو» وإلى اليسار مقهى «رقاصة» ومقهى آخر إلى اليمين. ومثل «الفيشاوي» كل شيء عتيق هنا، إلا الرواد. الكراسي تغيرهم جيلا بعد آخر.

إلى اللقاء