حكم رجال الدين في إيران

TT

استطرادا لحديثي أمس عن عقدة الزعامة الشيعية عند بعض رجال الدين السنة، أجد من الضروري مناقشة التجربة الإيرانية، لأنها لا تزال الملهم لقيادات سنية دينية تطالب بـ«حقها» في الحكم.

كلنا يعرف البداية قبل ثلاثين عاما عندما انتصرت الثورة الإسلامية بقيادة آية الله الخميني الذي أسقط نظام الشاه وكل مؤسساته. جاء بشعار «أسلمة الدولة»، لكن إيران مسلمة أصلا بأغلبية سكانها وأنظمتها، لم تتم الأسلمة بل سلمت الدولة بالكامل ليحكمها رجال الدين. تحولت من دولة تكنوقراطية يديرها أهل الاختصاص إلى دولة ثيوقراطية، يتسنم تقريبا كل مناصبها الإدارية العليا رجال دين.

ومنذ صعود رجال الدين في إيران، والعالم الإسلامي السني في حالة تشويش وانقسام حول تجربتهم بين متحمس ورافض.

نظرياً، يفترض أن رضى الناس هو الحكم الأخير، إلا أن رضى الناس في إيران لا يمكن أن يقاس تحت نظام يعاقب من يخالفه قولا وعملا، والنظام نفسه لا ينكر فقدانه للشعبية بما يواجهه من مظاهرات واضطرابات، في جامعات بطهران وإلى المدن البعيدة.

والمرارة أكثر بين المثقفين الشيعة، الذين كانوا أول الفرحين بسقوط نظام الشاه، حيث صاروا أول من دفع الثمن، وصاروا تحت إدارة نظام أكثر شمولية، بمن فيهم مثقفو المتدينين.

والخيبة أكبر في الإدارة اليومية للحكم، التي حولت إيران إلى بلد فقير، رغم انها من أغنى دول العالم بالنفط. وإذا تجاوزنا الرأي العام إلى الرأي الخاص، لوجدنا النظام قد استهلك كل شعاراته التي أساءت إلى الدين بسبب سوء ممارسات رجال الدين المدنية والتي لا تطعم الناس خبزا. وصار النظام، مثل كثير من الأنظمة الأخرى غير الدينية، مليئا بالفساد وسوء الإدارة والبيروقراطية. وسبب عجز إيران عن التطور، ليس حصار الشيطان الأكبر كما تعلق عليه الحكومة فشلها، بل لأنها ذات نظام ديني يضفي القدسية على كبار موظفي الدولة، فيصبح الطعن فيهم وفيها طعنا في الدين نفسه. الرئيس عندما يشكل حكومته يختار الوزير على أسس دينية وثورية لا اختصاصية، ولهذا عين 18 وزيرا من 21 وزيرا جديدا مؤهلاتهم أنهم من الحرس الثوري، وهو تنظيم أمني ديني. وهذا يكفي لفهم طبيعة النظام وقدراته الإدارية المحدودة. فارق كبير بين الماضي والحاضر، حيث بدأت الثورة الحكم بخلع ربطة العنق ولبس العمامة لتوحي بالثقة والأمانة، إلا ان هذه الصورة لم تعد مقنعة اليوم.

 فالإيرانيون يرون مسؤوليهم بلا عِلم، ما حدا بوزير الداخلية إلى زعم انه يحمل شهادة فخرية من جامعة أكسفورد، ولكن «أكسفورد» نفت أنها منحته أي شهادة.

اليوم أصبح نظام الملالي، الذي انقض على نظام الشاه الديكتاتوري، يماثله كثيرا، فالسجون مليئة بأعداء النظام ونقاده. آية الله بروجردي أدخل سجن «إيفين» المرعب فقط لأنه انتقد مفهوم «ولاية الفقيه»، وانه لا يجوز لرجل الدين ان يكون رجل دولة. بل أكثر من الشاه حيث أغلق النظام الكثير من الصحف والمحطات والمنتديات باسم حماية مكتسبات الثورة. وبقي من الإسلام مجرد عنوان، ليس الدين الذي يحكم بل رجال الدين الذين تحولوا إلى سياسيين، فنصبوا أنفسهم وزراء وقادة عسكريين وتولوا أهم المناصب والصلاحيات والمرتبات. لم يصبح المجتمع مكتفيا، ولا طاهرا، فهي من أكثر دول العالم التي تعاني من تفشي المخدرات بين شبابها. إيران اليوم مثل دول الاتحاد السوفييتي السابق المنهارة، ومثل القلة المنغلقة وتحديدا كوبا وكوريا الشمالية.

بعد هذا كله، هل يريد رجال الدين السنة أن يكرروا التجربة الشيعية؟

[email protected]