أن تحمل كاميرا في غزة

TT

كل من يحمل كاميرا في قطاع غزة هو هدف محتمل..

هذه الخلاصة هي ببساطة ما يمكن استنتاجه من تقرير المدعي العام العسكري الاسرائيلي والذي صدر قبل أيام وبرأ جنوداً اسرائيليين من جريمة قتل المصور الصحافي الفلسطيني فضل شناعة والذي قضى في 16 نيسان (ابريل) الماضي ومعه ثمانية شبان عزل معظمهم فتية دون السادسة عشرة..

لماذا أقدم جنود اسرائيليون على إطلاق قذيفتين باتجاه مجموعة من الفتية العزل ومعهم مصور صحافي تابع لوكالة «رويترز» كان يحمل الكاميرا وهويته الصحافية ظاهرة في ملبسه وتجهيزاته؟

السؤال وإن بدا لكثيرين ساذجاً أو يستبطن إجابات تصب في خانة تعقيدات الصراع مع اسرائيل والاستهداف الدائم للفلسطينيين، لكنه سؤال يجدر التوقف عنده وهذا ما فعلته وكالة «رويترز» التي كان يعمل لديها شناعة. فالوكالة العالمية لم تسلّم بالتقرير الاسرائيلي وبدأت بحملة واسعة لكسب تأييد شرائح واسعة من الإعلاميين والصحافيين والجمعيات المدنية والمهتمين للتنديد بقتلة شناعة وللمطالبة بمحاكمتهم محاكمة عادلة، كون الخلاصة التي توصل إليها المدعي العام العسكري الاسرائيلي هي بمثابة رخصة لمزيد من القتل. في القضية حيثيات كثيرة تقرّ بوضوح الهوية الصحافية لشناعة وبالتالي ضعف الأعذار التي قدمها الجنود الاسرائيليون لإطلاق النار عليه ومن معه. وهنا تبرز أهمية التقاط واقعة تبني وكالة «رويترز» لقضية محقة من هذا النوع إذ تحوي فرصة يجب أن لا تفوت في سياق المواجهة مع اسرائيل. إنها خطوة تفوق أهميتها خطوات من نوع خطف جندي اسرائيلي أو إطلاق صواريخ أو تفجير حافلة ركاب أو مهاجمة سيارات بجرافة.

مؤسسة إعلامية عالمية تقف إلى جانبنا في محاولة إدانة ممارسات اسرائيل..

سبق أن نجحت مثل هذه المحاولات كما حدث في دعوى من قبل شبكة BBC حين أقدم جنود اسرائيليون على قتل سائق مراسل الشبكة جيرمي بوين حين كان يغطي أحداث الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000.

خوض مواجهة مدنية عبر محاكم دولية وعبر جمعيات ومحاولة خلق رأي عام عالمي داعم لقضية محقة مثل قضية قتل شناعة والصبية في غزة، يذّكر بالمعاني التي حملتها الانتفاضة الفلسطينية الأولى حين وقف إلى جانب الفلسطينيين مؤسسات دولية انسانية وإعلامية غربية وهو أمر تعثّر للأسف بعد الانتفاضة الثانية حتى يكاد أن يتلاشى.

لا شك أن حركة «حماس» لم تقدم نموذجاً في الصحافة كما في الحكم يصلح للمقاربة أو المقارعة مع النموذج الاسرائيلي. كما أن الصراع الفلسطيني الداخلي بين حماس وحركة «فتح» غالباً ما أسقط ضحاياً كثيرين في مقدمهم حرية الإعلام والصحافة كما بات معروفاً ومتداولاً بكثرة وهذا بحدّ ذاته يضعف كثيراً من المطالبة بمواجهة مدنية ضد اسرائيل.

لكن أن نقدم انفسنا لمجتمعاتنا وللعالم بصفتنا ضحايا ساعين للعدالة خير من أن نقدم أنفسنا بصفتنا جناة لا حرفة لديهم سوى القتل..

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام