المرأة التونسية والدعم السياسي من النخب الحاكمة

TT

من الأشياء التي تُحسب لفائدة النُخب السياسية الحاكمة المتعاقبة في تاريخ تونس منذ الاستقلال عام 1956 وإلى اليوم، هو دعمها القوي والراسخ والمتنامي للمرأة التونسية. فهو دعم لم يعش أي تردد أو تراجع، بل نجد أن مكاسبها في تزايد ومدونتها القانونية في تعزيز مستمر من خلال تشريعات، تضمن حقوق المرأة داخل الأسرة والمجتمع والاقتصاد والسياسة.

وبمناسبة احتفال تونس خلال هذا الأسبوع باليوم الوطني للمرأة التونسية، قد يكون من المهم التوقف عند آخر المكاسب النوعية التي تحققت لها؛ ونقصد بذلك إعلان الرئيس بن علي قرار أن يكون حضور المرأة حتى موفى 2009 لا يقل عن نسبة 30 في المائة في اللجنة المركزية وفي مجلس النواب وفي مجلس المستشارين وفي المجالس البلدية؛ وذلك بهدف مساعدتها على الوصول إلى مرتبة الشراكة الفاعلة، التي لا تكتمل سوى بالترفيع في نسبة حضور المرأة في مواقع القرار والمسؤولية. وفي الحقيقة مثل هذه المبادرة تستحق المساندة والحلم بتعميمهاوتصديرها عربيا. ذلك أن المرأة العربية قي حاجة إلى معاضدة سياسية، تُؤمن لها أسلوب المحاصصة كي تستطيع الدخول إلى مواقع القرار وإثبات ذاتها وقدرتها على العطاء وعلى أخذ القرارات الصائبة والمشاركة في صنعها، فتعبر بذلك عن نصف المجتمع وتُؤسس لممارسة سياسية قائمة على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين.

أما ترك المرأة العربية وحدها تخوض غمار انتخابات، تنهزم فيها بالضربة القاضية بسبب عامل الذهنية الاجتماعية الرافضة لوجودها السياسي، فإن في هذا الموقف سلبية ذات انعكاسات غير محمودة على جميع مكونات المجتمع آجلا أم عاجلا.

ولقد رأينا كيف أن المرأة الكويتية ذات النضال الطويل والتي أثبتت جدارة وتفوقا على أكثر من صعيد، تُوضع أمامها شتى العراقيل لمنع دخولها مجلس الأمة. فالفشل المتكرر الذي حصدته مؤخرا يرجع بالأساس إلى العقلية أولا وأخيرا.

ومن خلال التجربة التونسية في مجال المرأة، نعتقد أن اعتماد أسلوب المحاصصة آلية ناجعة لمجابهة العقلية الاجتمــاعية المعرقلة للمرأة سياسيا، خصوصا أن الهدف من تبني طريقة المحاصصة، يتمثل في فتح أبواب مواقع القرار أمام المرأة وتأهيلها بشكل يجعلها قادرة في المستقبل على التخلي عن المحاصصة والخضوع لكامل شروط الانتخابات، وذلك بعد أن تكون العقلية الاجتماعية والمجتمع السياسي قد عرفا المرونة المطلوبة وباتت المرأة أقل حاجة إلى إجراءات دعم ومساندة.

إن الحقيقة التي لا ضير من التصريح بها، هي أن المرأة في مختلف بلداننا العربية تحتاج إلى سند المؤسسة التنفيذية والمؤسسة التشريعية، ودون ذلك ستبقى كل الخطب السياسية الرنانة مجرد كلام واهم وغير عملي وعديم الوعي بالشروط الاجتماعية والثقافية التي تعيش المرأة العربية ضمنها وعلى وقعها. بل لا بد من تلازم دعم السلطتين لتكامل أدوارهما. فالمساندة التي تحظى بها المرأة التونسية في الأمس واليوم من أجل تعزيز مشاركتها السياسية وجعلها تمسك بقرابة ثلث مواقع القرار والمسؤولية، هي نتيجة دعم سياسي تشريعي، تزامن مع بناء الدولة الوطنية في تونس، حيث كان إصدار مجلة الأحوال الشخصية على رأس الاصلاحات التي بدأت بها النخبة السياسية آنذاك مشروعها التحديثي. وكلما تعززت المدونة التشريعية للمرأة داخل الأسرة وفي مجال علاقتها بالرجل، كلما انسحبت تلك الرؤية الاصلاحية على مجالات أخرى، ذلك أن المنظومة الحقوقية لا تعرف التجزئة وإن كانت تؤمن بأسلوب المراحل.

وبفضل الدعم المتواصل للمرأة طيلة أكثر من نصف قرن ومن دون انقطاع، تمكنت تونس من تلبية أهم مؤشرات التنمية، باعتبار أن الأمم المتحدة تعتبر المشاركة السياسية للمرأة مؤشرا من مؤشرات التنمية.

إن توخي الجرأة في معالجة ملف المرأة من طرف الأنظمة السياسية العربية، يمثل الحل الأمثل، فوحدها هذه الأنظمة قادرة على الدفع بالقوانين الداعمة للمرأة إلى الوجود ووحدها أيضا تمتلك صلاحية منحها الحصة السياسية التي تساعدها على قول ذاتها.

[email protected]