رفاهية أميركا اللاتينية تعني رفاهية الولايات المتحدة

TT

يعتبر تخصيص 465 مليون دولار من المعونة الأميركية لمحاربة تجارة المخدرات في المكسيك وأمريكا الوسطى ـ والتي أسهمت إلى جانب الحوار المشترك في التوصل إلى مبادرة ميريدا ـ خطوة في الطريق الصحيح، فلقد تجاوزت الولايات المتحدة، مع بعض الاستثناءات الواضحة، دول جوارها من الجنوب إلى حد كبير، ولذا فإن هذه المبادرة علامة جيدة على التعاون الجديد.

إلا أنه بالنظر إلى عظم المشكلات التي تواجهها أميركا الجنوبية، فإن تلك الخطوة تعد بسيطة، فالطريق لايزال طويلا، فنحن في الأميركتين لدينا فرصة غير مسبوقة في خلق مناخ آمن في النصف الجنوبي الفقير، إذا ما أسهمت كل دولة بكل ما تستطيع. وقد حانت الفرصة بالنسبة للولايات المتحدة لإعادة صياغة منهجها تجاه مساعدة المنطقة، ليس فقط من منطلق الصداقة بل من منطلق مصالحها الشخصية. ومبادرة ميريدا مبادرة هزيلة خاصة بالنسبة للمعايير الأميركية، إذ تم تخصيص 65 مليون دولار فقط لدول هايتي والدومينكان وهو ما يعد سدس المبلغ الذي يرى المشرعون أنه ضروري لمساعدة هذه الدول، بينما تتلقى المكسيك 400 مليون دولار في العام، وهو ما يعد رقما كبيرا بالنسبة للمساعدات الموجهة إلى أميركا اللاتينية، لكنه في ذات الوقت يعد ضئيلا إذ يعادل ما تنفقه الولايات لمتحدة في العراق في يوم واحد، ومع وجود مثل هؤلاء الأعداء الذين يُنفق على الحروب ضدهم كل تلك الأموال، فإنه لا توجد مساحة كبيرة للأصدقاء.

وللولايات المتحدة مطلق الحرية في توجيه أموالها إلى الجهة التي ترغب فيها طالما أنها تراها مناسبة، خاصة إذا كانت تلك المساعدات ضرورة بالنسبة للمنطقة الموجهة إليها، إلا أن دعم الحرب على المخدرات هو استثمار في أزمة مشتركة. ولا تقع مسؤولية مكافحة المخدرات على عاتق أميركا اللاتينية وحدها ولكنه أيضاً مسؤولية أميركية. ومبادرة ميريدا تمثل ذلك الجزء الخاص بالولايات المتحدة من الاتفاق.

ويعد المال هو الجزء الأهم في هذه القضية، لكن اختيار المنطقة التي توجه إليها التمويلات أمر بالغ الأهمية، فمسؤولية القادة وزعماء الدول حماية مواطنيهم، ولهذا السبب يجب على الولايات المتحدة أن توسع من تعريفها للأمن القومي. وكأي دولة متقدمة، يجب على الولايات المتحدة مواجهة حقيقة أنه ما من دولة يمكن أن تكون في مأمن في الوقت الذي يعاني فيه جيرانها من الفقر والأمية والمرض والجهل. وأي سياسة خارجية تنظر إلى هذه القضايا على أنها ليست من شأنها وأنها شأن الدول التي حلت بها، فهي سياسة غير ناجحة.

ويشكل تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية أهم المخاوف الأميركية تجاه أميركا اللاتينية. وبالرغم من أن تلك الأعراض لا تعد أمراضاً، إلا أن المرض ذاته هو السبب وراء تلك الأعراض الواضحة في الجزء الجنوبي من العالم.

إن الفقر هو الدافع وراء هرب العديد من المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين إلى الولايات المتحدة عبر الحدود، فالفقر ليس بحاجة إلى جواز سفر لكي ينتقل من مكان إلى آخر، ولا يمكن اعتقاله أو منعه من خلال بناء الجدران.

وذلك المرض يمكن مواجهته، والأداة الوحيدة لذلك هي انتشال أميركا اللاتينية من الفقر إلى الأفضل، ويمكن للولايات المتحدة القيام بتغيير شامل إذا ما جعلت التعليم في تلك الدول أولوية بالنسبة لها. وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة تنفق 3 ملايين دولار لبناء كل ميل واحد من السور الذي يقام على الحدود بينها وبين المكسيك والذي يهدف إلى منع المهاجرين غير الشرعيين الساعين إلى الحصول على فرص لا يجدونها في بلادهم. كان بإمكان النفقات التي تنفق على كل ميل من الجدار أن توفر التعليم الجيد لـ 2500 شاب من أميركا اللاتينية، مما سيؤهلهم للحصول على وظائف أفضل في بلادهم، وكان بإمكان نفقات كل ميل أن توفر جهاز كمبيوتر محمول لـ 15000 طفل، مما يمكنهم من التواصل مع العالم بدلاً من التأخر عن الركب العالمي.

ولاتزال الفرص ممكنة، فهناك استثمارات يمكن أن تبعد مواطني أميركا الجنوبية عن المخاطرة بأرواحهم للدخول إلى الولايات المتحدة بأي طريقة. وأميركا تنتظر قيادة جديدة في الأفق وفرصة لإعادة تقييم سياستها الخارجية. وأميركا اللاتينية لم تكن يوما ديمقراطية أو معدة إعدادا جيدا لإنفاق مال المعونة بصورة فاعلة وبشفافية، وإذا ما مدت الولايات المتحدة يد المساعدة إلينا فإنني على يقين من أن النتائج ستكون رائعة. وفي النهاية فإن الفوائد من وراء رفاهية أميركا اللاتينية لن تقتصر على شعوبها بل ستمتد إلى الولايات المتحدة أيضاً.

* رئيس كوستاريكا وحاصل على جائزة نوبل للسلام في 1987

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»