التجربة الأردنية؟

TT

هل هناك «حالة» عربية مختلفة يجري تكوينها في الأردن وتستحق الدراسة والتأمل؟ الأردن بلد يجري تشكيله بدقة وبعناية لافتة. لسنوات غير بسيطة كان هناك عدد غير بسيط من الأصوات التي تعتقد أن الأردن كله مشروع مؤقت، وبالتالي لا يمكن أن «يستمر»، فالسوريون كانوا يعتقدون بأنه جزء من الشام الكبرى وأنه لا بد أن يعود للبلد الأم، وآخرون كان لديهم الاعتقاد بأنه الوطن البديل للفلسطينيين، وهناك من يعتقد أن مكانه هو تتمة للعراق الكبير.

ولكن الأردن «نجا» من كل هذه الكوابيس وهي فعلا كوابيس، ولا يوجد دليل أبلغ من تأكيد هذه المقولة بالنظر بين الواقع الأردني اليوم وبين العراق وسورية وفلسطين خيبات أمل مستمرة بنيت على أوهام خادعة. الأردن انشغل من الأيام الأولى بتأسيس مجتمع ينتمي الى هوية واحدة قوية، حتى وإن كانت هوية جديدة، فعاش فيها العشائر والشركس والمسيحيون والفلسطينيون، ووصل الى أعلى المناصب فيها وتحديدا الى رئاسة الوزراء والوزارات الحساسة أبناء الأردن من مختلف هذه الخلفيات، واستثمر الأردن وبقوة في قطاع الخدمات وخصوصا في مجالي التعليم والصحة، وحصد المكانة المميزة وبات لديه قاعدة لافتة من الخريجين المؤهلين في هذين المجالين، وفي مجالات أخرى مثل القطاع المالي والسياحي والالكترونيات وصناعة الأدوية. الأردن بات اليوم خيارا حقيقيا للراغبين في موقع جاد في عالم الأعمال بمنطقة الشرق الأوسط، فالقوانين مشجعة وأيدي عاملة مؤهلة وقادرة. الأردن أو كما أطلق عليه أحد رجال الأعمال «المانيا العالم العربي» اكتسب سمعة الجدية والفعالية لمن أراد أن ينجز أعماله (مقارنة بينه وبين سورية والعراق ولبنان كفيلة بتأكيد هذه المعلومة بجدارة)، من الظلم المقارنة بين الأردن ودبي وأبوظبي وقطر، فالعوامل والعناصر مختلفة تماما، وبالتالي الحجة غير موجودة. كل هذه العناصر الايجابية في التركيبة الأردنية الحالية ولدت الشعور بالاعتزاز و«الثقة الواضحة» لدى المجتمع الشاب فيها وانعكس ذلك على اسلوب العمل والأداء الذي بدأ يبرز في قطاعات «جديدة» على الأردن مثل الفنون والرياضة والأدب والتصميم. من الواضح أن المشروع الوطني الكبير الذي أطلق بالأردن منذ فترة والمعنون بـ«الأردن أولا» بدأ يأتي بثمار واضحة، فهو لم يكن مشروعا أرعن يدعو للعنصرية الوطنية ولكن كان مشروعا وطنيا يحفز على التخطيط والعمل الجماعي لأجل شعار وهدف يحتوي الجميع. الأردن ليس مدينة افلاطونية أو جنة الله على الأرض، فهو لديه مشاكل العالم الثالث مثل غيره من الدول، البطالة لا تزال تحدياً كبيراً، والأمية مشكلة غير بسيطة وجرائم الشرف صداعاً مؤرقاً، والسوية الاجتماعية هماً لا يمكن انكاره والحراك السياسي والعلاقة مع البرلمان لا يستطيع أي عاقل اغفاله، وطبعا كارثة التطرف الديني التي تقلق وترعب. ولكن المجتمع المدني في الأردن فيه الحراك العقلاني وفيه العمل التطوعي المبهر وكذلك فيه قدر لا يمكن اغفاله من الحرية الاعلامية التي لا يمكن انكار أهميتها. «تجربة أردنية» تتكون ولا يمكن انكارها والعالم العربي بحاجة لقصص ايجابية جميلة يتعلق بها، والأردن قصة من هذا النوع.

[email protected]