بين جون ماكين وتيودور روزفلت

TT

تتسم الانتخابات الرئاسية دائمًا بقدر من الحماقة، والنفاق، ولنقل أيضًا المرونة عندما يتعلق الأمر بالحقائق. إن هذا ما يخطر ببالي عندما أسمع جون ماكين وباقي الجمهوريين وهم يستشهدون ويذكرون بتوقير بالغ اسم تيودور روزفلت. إن ماكين يقولها بكل صراحة: «إنني الجمهوري تيدي روزفلت».

وهنا تتمثل المرونة في الوقت الذي تظهر فيه الحقيقة. ففي شهر يونيو (حزيران)، تلقى ماكين قدرا كبيرا من التبرعات من قبل المسؤولين عن صناعة النفط بعد أن غير رأيه وأصبح مؤيدًا للتنقيب عن النفط في البحار. وتعقيبًا على ذلك، أشار أحد العناوين في صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن «صناعة البترول أمطرت الأموال بعد تغيير الرأي بشأن عمليات التنقيب»؛ والمقصود هنا بالطبع عمليات التنقيب عن النفط في البحار.

ولوضع الأمور في نصابها، فإن هذا ليس نهج روزفلت، فبينما كانت حملة ماكين تجني الأموال من سيل التبرعات التي أغدقتها شركات البترول على حملته، كان المؤرخ دوغلاس برينكلي يمعن النظر في الخطابات التي كتبها روزفلت، أثناء خوضه حملته الانتخابية لتولي الفترة الأولى للرئاسة عام 1904، والتي أظهرت غضبه الشديد وهو يطالب مدير حملته برد تبرع من شركة «ستاندر أويل كومباني» قيمته 100.000 دولار.

مثل هذا الأفق من التفكير لم يتراءى إلى أي من الحزبين. فقد قبل كل من باراك أوباما وجون ماكين على حد سواء تبرعات من مسؤولي الصناعات النفطية. ولكن ما يوضح لنا تلك الاختلافات بين تيدي روزفلت وجون ماكين على وجه الخصوص، هو ماهية المواقف التي كان عليها روزفلت في زمنه، وكيف تختلف تلك المواقف جوهريًا عن مواقف ماكين والجمهوريين هذه الأيام.

ويقول برينكلي، الذي يكتب السيرة الذاتية للرئيس الأسبق روزفلت: «في حقيقة الأمر أن روزفلت في هذه الأيام قد أصبح يساريا». لقد كان روزفلت في الماضي شديد التحمس لتنظيم صناعة النفط وكبح جماح أي تجاوزات للشركات الكبرى. كما كان يقف إلى جانب فرض الضرائب على التركات وحارب الرغبة المتزايدة لدى حزبه في تقديم ضروب الدعم للأثرياء. هذا بالإضافة إلى أنه كان من المدافعين بشدة عن البيئة.

لقد كان روزفلت معروفا بأنه الرجل الذي يسعى دائما إلى محاكمة أنظمة الاحتكار، إلا أن هذا كان في عهد الحفاظ على البيئة والتي على أساسها صنع تاريخه. وقد أشار برينكلي في مقدمة كتابه إلى بدء انقراض عدد من صنوف الطيور مع اقتراب القرن العشرين، وذلك نظرا لشيوع القبعات النسائية المزدانة بالريش.

في تلك الأثناء، غضب روزفلت لذلك الأمر، وأسماهم بالمفسدين الذين يهددون بتدمير سلالات الطيور على سواحل فلوريدا. وأيد حينها إقامة محمية عُرفت باسم «يالو ستون ناشيونال بارك»، كما خصص روزفلت جزيرة للبجع، والتي تم فيها الحفاظ على سلالات تلك الأنواع من الطيور بعيدًا عن سواحل فلوريدا، لتصبح بذلك أول محمية فيدرالية للطيور عبر البلاد.

وقد تمت ترجمة تلك الخطوة على أنها بمثابة نجاح باهر، فقد أصبحت جزيرة البجع أول وحدة تعمل بنظام حماية الحياة البرية القومي، التابع لجهاز الحياة البرية والسمكية بالولايات المتحدة. وبحلول عام 2003، كتب برينكلي: «في الوقت الذي احتفلت فيه جزيرة البجع بالذكرى المائوية لها، أصبح نظام حماية الحياة البرية القومي بالولايات المتحدة يتألف من أكثر من 540 محمية للحياة البرية على مساحة تزيد على 95 مليون فدان».

أما ما نحن فيه الآن فليس أكثر من عهد سخيف، اهتم فيه الساسة بالحديث المنمق والظهور بأنهم بارعون في إلقاء الخطابات والتفكير العقلاني، في الوقت الذي أصبحت فيه الغوغائية وإفساد اللغة وإطلاق الرصاص واحتساء الجعة بصوت جهوري من سمات ملاءمة المناصب العليا. لذا فقد يكون من الغريب لنا جميعًا أن نعرف أن ماكين صنع شهرته بصفته من بين أول المحافظين على البيئة في هارفارد، ومن المراقبين للطيور، كما أنه كاتب غزير الاطلاع والحساسية.

وطبقًا لبرينكلي: «إنه عند الكتابة أو إلقاء الخطب حول الطيور الأميركية، كانت لروزفلت نبرة معبرة وصريحة، ترقى في بعض الأحيان إلى أن تكون أغنية».

ويشير برينكلي إلى أن المتابع لقضية تبرع شركة «ستاندر أويل»، قد يجد أنه بالرغم من أوامر روزفلت المتكررة، إلا أن التبرع لم تتم إعادته. وقد اعتقد روزفلت آنذاك أن ذلك التبرع تمت إعادته، إلا أن برينكلي يقول إن تحقيقًا تم بعد ذلك بشأن تمويل الحملة قد فتح مجال الشك بأن تعليمات روزفلت لم يتم تنفيذها.

لقد كان روزفلت من الشخصيات المعقدة، فقد كان يتسم بالفكر التقدمي في الكثير من السياسات، وشديد الاهتمام برخاء ورفاهية الشعب على المدى الطويل، كما أنه كان أيضًا من المؤمنين بنظرية داروين والإمبريالية المحبة للصراعات.

ومما لا شك فيه، أنه كان بعيدا كل البعد عن جون ماكين والحزب الجمهوري تلك الأيام.

* خدمة «نيويورك تايمز»