من منكن تريد قمراً؟!

TT

أسطورة

ولكنها تدعو للتأمل قليلاً.

إنها أميرة صغيرة اسمها (لينور) في العاشرة من عمرها، مرضت واتاها الطبيب، وقال لوالدها: إنني عاجز، ولكن ليس لها من علاج إلاّ أن تنال هي ما تشتهيه، فسألها والدها: ماذا تطلبين؟! فقالت: أريد القمر.

فاستدعى كبير أمنائه وطلب منه أن يأتيه بالقمر.

فقال له: إنني يا مولاي جلبت لك العاج، والنسانيس، والطواويس، وعين الهر، والزمرد، وذيل الفيل، والكلب الأزرق، وألسنة الطيور الطنانة، وقرن الكركدن، واللبان الدكر.

ولكنني آسف يا مولاي فليس بمقدوري أن اجلب القمر.

فصرفه وأتى بساحر القصر وطلب منه نفس الطلب.

فقال له الساحر: إنني يا مولاي عصرت لك الدم من اللفت، وأخرجت الأرانب من قبعات الحرير، وصنعت لك الزئبق الأحمر ودفوف الفرح، واتيت لك بدمع النسور ليذود عنك الشياطين والنفاثات في العقد، وأركبتك على بساط الريح، وهيأت لك اللمسة التي تحيل ما مست يداك إلى ذهب، والطيلسان الذي يخفى لابسه عن الأبصار، لكن القمر بالذات صعب عليّ إحضاره، خصوصاً انه مصنوع من الجبن الأخضر، وهو اكبر من هذا القصر مرتين.

وتلظى والدها غضباً وطرد الساحر شر طردة.

وبينما كان يسير وهو يضرب بأقدامه الأرض من شدة الغضب، وإذا به يلمح مهرج القصر وهو يضحك، فازداد غضبه، وقال له: ما هو الذي يضحكك أيها الحيوان ونحن في هذا الموقف الصعب.

فقال له المهرج: إنني أنا الذي أستطيع أن آتي لأميرتي الصغيرة بالقمر.

فقال له: اغرب عن وجهي عليك اللعنة، فقال: امنحني هذه الفرصة يا مولاي، وبعد تردد وتفكير ويأس، قال له: إنني أمنحك إياها، ولكن الويل لك كل الويل لو انك فشلت.

فذهب إليها المهرج وشاهدها في فراشها عليلة ووجهها شاحب، وسألته بصوت بالغ الضعف: هل جئتني بالقمر؟!

فقال لها المهرج: لم أفعل بعد، ولكن سآتيك به الساعة، لكن ما حجم القمر؟! فقالت: هو اصغر من ظفر إبهامي بقليل، فسألها: هل هو بعيد؟! فقالت: لا إنني رأيته من نافذتي وهو متعلق بأغصان الشجرة، فسألها: من أي شيء صنع القمر يا مولاتي؟! فقالت: أف لك، انه من الذهب يا أبله!

بعدها ذهب المهرج إلى الصائغ وطلب منه أن يصنع قمراً صغيراً من الذهب اصغر من ظفر إبهام الأميرة بقليل، وعلقه بسلسلة، وقدمه للأميرة التي فرحت به كثيراً، وإذا بها في اليوم الثاني تتنطنط كالعفريتة.

فأتاها المهرج يسألها بصوت حزين: نبئيني يا مولاتي: كيف يكون القمر في السماء يتلألأ وها أنذا أراه يتدلى من قلادة في جيدك؟!

فنظرت له الأميرة ضاحكة وقالت: ما أيسر هذا أيها الأبله، إني إذا ما خلعت سناً نبت لي مكانه سن جديد، وإذا ما قطف البستاني زهراً من البستان، أليس يحل محله زهر جديد؟! ضحك المهرج قائلاً: لقد كنت خليقاً ان أدرك ذلك، فهذا هو نفس ما يحدث لضوء النهار.

فقالت الأميرة: وهو نفس ما يحدث للقمر، بل إني لأحسبه نفس ما يحدث لكل مخلوق في هذه الحياة.

[email protected]