لماذا فشلت الجزائر أمام الإرهاب؟

TT

هي أقدم الساحات في مواجهة عنف المتطرفين، وأكثرها استعدادا عسكريا، وكذلك أكرمها في تقديم العفو والتنازلات.. ورغم ذلك ظلت الجزائر منذ أكثر من 16 سنة مثخنة بجراح الارهاب، كما حدث في ايام الاحد الثلاثاء والاربعاء الماضية التي راح ضحيتها واحد وسبعون شخصا.

أسباب الفشل المطروحة عديدة، من بينها أن النظام الأمني عاجز عن تطوير نفسه لمواجهة العدو الأوحد للبلاد. وهناك من يرى ان القيادات السياسية تتدخل بمنح العفو في الوقت الخاطئ، فتسمح للملاحقين ومجرمي الحركات المتطرفة بالخروج من الغابات والنزوح الى بيوتهم دون تأهيل، او تثبت من دعاوى إلقاء السلاح وتغيير المواقف. تخيلوا ان الجزائر هي ثالث بلد في العالم منكوب بالإرهاب، بعد العراق وافغانستان. ووضع الجزائر أسوأ لأنه لا يمكن ان يقارن الجزائر بدول تعيش في حروب مثل افغانستان والعراق. فكيان النظام راسخ، ومركزية الحكم لا ينازعها أحد، وجيشه من اقوى الجيوش في المنطقة، مع هذا فإنه عاجز عن دحر الارهابيين.

كثيرون يعيدون أزمة اليوم الى هزة الأمس التي مرت بها البلاد في 1992، عندما أجهض العسكر الانتخابات التي قارب المتطرفون على كسبها. ربما كانت خطوة مستعجلة لكنها في الحقيقة هي التي انقذت البلاد من استيلاء المتطرفين على الحكم. فالجماعات الاصولية المتطرفة لم تحترم ديموقراطية الرئيس الشاذلي بن جديد، فكانت تجاهر بشعاراتها التي ترفض التدوال السلمي، وتكفر المجتمع والنظام السياسي. لو حكمت لكانت الدماء أكثر والصراع أوسع.

صارت الجزائر الساحة الأولى للارهاب. لم يصدق كثيرون في البداية انه من فعل جماعات متمردة على النظام نظرا لحجم القتل وتطور العمليات الارهابية، فاتهموا العسكر أنهم وراء ما يحدث للهيمنة على الحكم. الحقيقة ان العالم كله لم يفهم حينها الحالة الجزائرية، وكان على وشك ان يكتشف الخطر به في كل مكان. لم يصدق احد في البداية ان التطرف قادر على تخريج هذا الكم الكبير من العنف، والكوادر المدربة المستعدة للتدمير، وكان إلصاق التهمة بالاصوليين اضعف منطقا، حتى تكرر العنف في انحاء العالم لاحقا بنفس الاسلوب واللغة، وثبت ان الفاعل في الجزائر هو نفس الفاعل في مصر والسعودية واليمن والمغرب، وطبعا بقية الخمسين دولة أخرى.

شيوع الارهاب في العالم لا يبرر فشل الجزائر في مواجهته، مما يدفع كثيرين للاستغراب رغم المواجهة الطويلة، وتكرار ممارسة ثنائية القوة والتسامح. التفسير الوحيد المتبقي ان الجهات الجزائرية عاجزة بالمعنى الأمني العريض. لقد جرب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بكل رحابة صدر استيعاب المتطرفين والعفو عنهم، وأدخل بعض رموزهم في العمل السياسي، مرات عديدة تعلن الدولة العفو مقابل إلقاء السلاح، ونسمع مقولة إنها نهاية العنف، ليعود مجددا أكثر دموية وشراسة، كما حدث في الأسبوع المنصرم.

[email protected]