دوار الشمس

TT

يؤسفنا ان كل شيء قديم في باكستان، خصوصا القلق. كل حاكم يأتي لا يعرف كيف يقيس مدة البقاء الزمنية ويخيل اليه انه شواذ القاعدة. وفي النهاية يدرك ان القاعدة في راولبندي لا تتغير، مهما بدل العسكريون بزاتهم ومهما حمل المدنيون من اوسمة ونياشين. هكذا شهدنا، على نحو قدري دوري، لا يخطئ، العسكري برويز مشرف يطيح المدني نواز شريف والمدني نواز شريف، بعد المنفى والسجن والمنع من العودة يطيح العسكري برويز مشرف.

لا «رجل قويا» في باكستان، بالثوب العسكري او بالثوب الوطني. لم يكن هناك اقوى من الجنرال ايوب خان والجنرال يحيى خان والجنرال ضياء الحق. جميعهم انتهوا في غموض وفجيعة. ولم يكن هناك اكثر اهمية من ذو الفقار علي بوتو ملأت دماؤه ودماء ابنائه جدار باكستان وبلاط ضرائحها. وما بقي احد. وقد نجا برويز مشرف من فخ الطائرة الذي لم ينج منه ضياء الحق لأنه قرر الخروج من الباب الخلفي. والارجح انه بحنكته سوف يختار السلامة بعيدا عن بلد لا يدوم فيه العسكري ولا يحكم فيه المدني ولا يعتقل فيه اسامة بن لادن ولكن يمكن ارسال سائقه الى غوانتانامو يفرح به القضاء الاميركي الذي كالعادة قبض على الظل وترك الملا عمر ينجو على دراجة وزعيمه يذوب كالضباب في كهوف افغانستان. هناك دائما متغيرات في باكستان ولكن لا جديد فيها: عدلت الدستور ثلاث مرات وعرفت الانقلاب العسكري اربعا منذ استقلالها عام 1947، كان آخرها عام 1999 على يد الجنرال مشرف. ولكن لم يتغير شيء. اغتيال بنازير بوتو لم يغير شيئا: الآن زوجها في حاجة الى دعم نواز شريف ونواز شريف في حاجة الى دعمه والاثنان في حاجة الى دعم الجيش في روالبندي، مركز القوة الدائم والحقيقي لم تستطع المؤسسة العسكرية ان تطور نفسها ووجودها كما فعل عسكر تركيا، حيث تبدو الديموقراطية و«احكام» المحكمة العليا كأنها ممارسة المجلس الدستوري في سويسرا. هشاشة العمل السياسي في باكستان تهدد منطقة كاملة. بالعودة الى الصفر الاول. بعد يومين من خروج مشرف ظهرت طالبان بقوة على بعد 50 كيلومترا من كابل، حيث اعتبر حميد خرازي الرئيس «الأكثر اناقة» في اختياره للعباءات الزاهية. لكن الواضح ان الاناقة ليست هي المسألة في بلد يخوض فيه الغرب الحرب التاسعة عشرة، منذ القرن التاسع عشر، دون ان يتعلم الامثولة من تجربته ولا من تجربة غريمه السوفياتي. انه دور المدنيين في باكستان. وثمة مشرف آخر ينتظر دوره.