نهضة الصين تتجاوز الميداليات الذهبية

TT

الصين في طريقها لإزاحة الولايات المتحدة كي تصبح الفائز بمعظم الميداليات الذهبية لهذا العام. تعوّد على ذلك.

تلك هي الطفرة الرياضية التي تبهرنا في الوقت الحالي، ولكن ستكون للصين بصمة أكبر في الفنون والتجارة والعلوم والتعليم.

أصبح العالم الذي ألفناه، تسيطر عليه أميركا وأوروبا، مختلفا تاريخيا. حتى بدايات القرن الخامس عشر كانت الصين والهند تمثلان أكبر منظومتي اقتصاد في العالم، وربما كان هناك من توقع أنهما سيستعمران الأميركيتين.

ولكن بعد ذلك بدأت الصين والهند تتراجعان شيئا فشيئا، في الوقت الذي بدأت فيه أوروبا تنهض. وكان دخل الفرد في الصين في الخمسينات من القرن الماضي أقل فعليا مما كان في نهاية أسرة سونغ في السبعينات من القرن الثالث عشر.

وفي الوقت الحالي يعود العالم إلى حاله الطبيعي، قارة آسيوية قوية وعلينا أن نتكيف مع ذلك. ومثلما يعرف الكثير من الأميركيين ويفرقون ببساطة بين الفنان «مانت» والفنان «مونت»، سيمكن لأولادنا التمييز بين أسرة «تشين» وأسرة «تشينغ». وعندما يكونون غضبى، من الممكن أن يعمد أحدهم لإهانة الآخر واصفا إياه بأنه «بيض سلحفاة». فخلال نهضة الغرب، كان على الثقافة الصينية أن تتكيف مع الوضع باستمرار. عندما وصل الغربيون الأوائل وما يعتقدونه عن السيدة مريم العذراء، لم يكن لدى الصين شخصية نسائية مكافئة تتمكن من القيام بالمعجزات، ولذا أجري تغير لنوع «غوان ين» من إله الرحمة، ليصبح إلهة الرحمة.

والآن هذا هو دورنا للسعي للمنافسة مع قارة آسيوية ناهضة.

سيكون هذا التحول إلى السيطرة الصينية عملية صعبة على المجتمع الدولي بأسره، ومما يزيد من صعوبة الأمر القومية الصينية التي يصعب التعامل معها. ما زالت الصين تنظر إلى العالم من منظور الإذلال القومي، ويبدو أن النجاح الصيني الشاب قد أفرز الكثير من الغرور وليس الثقة القومية.

تتحول الهيئات الاستخباراتية الصينية إلى منحى أكثر عدوانية في استهداف أميركا، ويعمل الجيش الصيني باستمرار على تمويل أنشطة جديدة كي يحدث ثقوبا في هيمنة الجيش الأميركي، ويشمل ذلك أسلحة الفضاء والتقنيات التي تستهدف تهديد حاملات الطائرات الأميركية.

لقد تعرض الرئيس بوش لانتقادات قاسية لأنه حضر اوليمبياد بكين، ولكني عندما أسترجع ما حدث، أرى أنه كان محقا عندما حضر، حيث ستكون العلاقات الثنائية الأكثر أهمية في العالم خلال الأعوام القادمة هي تلك العلاقات التي تربط بين الصين والولايات المتحدة، وقد تمكن بوش من إبداء بادرة حسن نية يكسب بها الكثير من المواطنين الصينيين بحضور الاوليمبياد.

ولكن بعد أن أحرز بوش هذا الفوز السياسي، فإنه لم يستثمره. كان يجب على بوش أن يتحدث بقوة عن حقوق الإنسان، ومن بين ذلك حث بكين على وقف شحن الأسلحة التي تستخدم في أعمال الإبادة الجماعية في دارفور.

إنه توازن صعب، ولكن إصرار الصين على أن تأتي على رأس الدول الفائزة بميداليات ذهبية، وجهودها الدؤوبة لاكتشاف أفضل الرياضيين وتدريبهم تتجاوز الرغبة في الحصول على احترام وشرعية دولية. ويمكن أيضا استغلال تلك الرغبة في دفع القادة الصينيين لإظهار أفضل ما لديهم.

عندما حكمت الحكومة الصينية على امرأتين ضعيفتين في نهاية السبعينات بالسجن مع الشغل لأنهما طلبتا إقامة مظاهرة قانونية خلال الاوليمبياد، فإن ذلك التصرف الهمجي كان يحتاج التعامل معه ليس بـ«الدبلوماسية الصامتة» ولكن بكشفه للعيان.

ويجب علينا الاعتراف بأن الضغوط غير الرسمية تكتسب أهمية بصورة متزايدة. الشخصية الأكثر أهمية في العلاقات الصينية الأميركية ليس سفيرا، ولكن ياو مينغ، لاعب كرة السلة، وديفيد سترن، مفوضة الرابطة القومية لكرة السلة. وأكبر قوة لتغليب الديمقراطية ليست مجموعة الدول السبع ولكن الملايين من الصينيين الذين يدرسون في الغرب، ويعودون في بعض الأحيان معهم بطاقات هوية للإقامة الدائمة في الولايات المتحدة، وتحدوهم آمال أكبر في الحصول على الحرية.

وبصورة جزئية، فإن ما يصون النهضة الصينية هي طريقة الحزب الشيوعي في التكيف مع تلك الضغوط من أجل التغيير.

خلال هذه الزيارة، قمت بزيارة مسقط رأس باو تونغ، وهو مسؤول بارز سابق في الحزب الشيوعي قضى سبعة أعوام في السجن لتحديه المتشددين خلال حركة تيانانمن الديمقراطية. سمح لي الحراس الذين يراقبونه أربعا وعشرين ساعة في اليوم على مدى سبعة أيام في الأسبوع بالدخول بعد أن أظهرت لهم هويتي كصحفي مسموح له بمتابعة الاوليمبياد.

أشار باو إلى أن قيادات الحزب الشيوعي ألفوا الاعتقاد في الشيوعية، وفي الوقت الحالي هم يعتقدون في حكم الحزب الشيوعي. استرجع كيف أن المتشددين يساورهم القلق من خطر «التحول السلمي»، ما يعني التحول التدريجي إلى النمط الغربي في النظم السياسية والاقتصادية. ويضيف: «في الواقع، لدينا الآن تحول سلمي».

تعد تلك المرونة احدى أهم نقاط القوة في الصين، وذلك هو السبب في أن أهم شيء يحدث في العالم في الوقت الحالي هو نهضة الصين ـ في الاوليمبياد وتقريبا في كافة مناحي الحياة.

* خدمة «نيويورك تايمز»