سورية ومسلسل الحسابات الخاطئة

TT

لدى دمشق مقدرة غريبة على الحسابات الخاطئة، حيث أقحم السوريون أنفسهم في أزمة جورجيا وروسيا، وباتوا في عين العاصفة الدولية. الموقف السوري الداعم لروسيا، وما صاحبه من جدل حول نشر المنظومة الصاروخية لا يمكن وصفه إلا بالحسابات السورية الخاطئة، أكثر من كونها عبقرية سياسية.

فكيف تدعم دمشق العمل العسكري الروسي لأراضي جورجيا بينما سورية نفسها تريد إقناع العالم بعدالة موقفها وضرورة مساندتها ضد الاحتلال الإسرائيلي للجولان؟ كما أن التصريحات السورية حيال أزمة جورجيا لا تستقيم في ظل حديث دمشق عن مفاوضات سلام مع إسرائيل برعاية تركية، ورغبة دمشق في دخول واشنطن على خط المفاوضات. أيضا يفترض بأن السوريين ما زالوا في شهر عسل مع العريس الفرنسي الذي قدم مبادرة إنهاء حرب جورجيا!

الحسابات الخاطئة أقحمت دمشق في أزمة خارج جغرافيتها، فالإسرائيليون استغلوا التصريحات السورية ليصفوا دمشق بأنها مترددة؛ تريد السلام، في الوقت الذي تريد فيه إيران وحزب الله وحماس والأسلحة. أما واشنطن فعلقت ببرود قائلة «... وما دخل سورية؟».

إن المنطق يقول إن الهرولة السورية لدعم روسيا ضد جورجيا، والترحيب بنشر صواريخ اسكندر وفق ما ورد عن الرئيس السوري في مقابلة مع صحيفة كوميرسانت الروسية قد يشي بأمر آخر، لم يعد بإمكان دمشق إخفاؤه.

والأمر الذي تريد دمشق إخفاءه هو أن هناك ربكة سورية وقلقا، بحثا عن حليف استراتيجي، على اعتبار أن خيوط الشك قد نسجت بين طهران وسورية بعد شروع السوريين في مفاوضات مع الإسرائيليين، وما رشح عنها من تصريحات، كما أنه في نفس الوقت لا يمكن للسوريين أن يثقوا بالإسرائيليين.

وقبل هذا وذاك، رأينا كيف بحثت دمشق عن المظلة التركية، وما جاء بعدها من مفاوضات سلام غير مباشرة مع إسرائيل، وعللت دمشق ذلك بانشغال الرياض والقاهرة، والحقيقة تقول إن توتر العلاقات السورية مع كل من السعودية ومصر أبقى دمشق بلا غطاء عربي. ولا ننسى أن باريس لم تساعد السوريين كثيرا في كسر عزلتهم الغربية، كما لم تسعفهم في الوصول إلى أميركا. ورأينا كيف بقي الوفد السوري في واشنطن على أمل تحديد موعد لمقابلة مع الخارجية الأميركية.

وبالطبع فإن دعم سورية للروس ضد جورجيا يعني اصطداما مع الفرنسيين، خصوصا أن الدول الأوروبية لم ولن تقبل باحتلال روسي لجورجيا حتى ولو كان الرئيس الجورجي قد ارتكب حماقة استفزاز الدب الروسي.

لذا يجوز القول بأن الربكة السورية في البحث عن حليف، أو قل غطاء، هي التي دفعت دمشق للزج بنفسها في أزمة لا ناقة لها فيها ولا جمل، حيث ألبت الغرب عليها، وحتى روسيا سارعت لتؤكد أن إسرائيل صديقة، ولا مصلحة في استعدائها من أجل سورية.

الحسابات السورية الخاطئة مثلت وجبة دسمة للمشككين بالنوايا السورية الأخيرة، وخصوصا الذين حذروا باريس من أن دمشق غير جادة. الأخطاء السورية ليست لعبة محسوبة، ولكنها نتيجة القلق من البقاء بلا حليف، ومظلة، فيكفي أن نسأل أنفسنا: من هم أصدقاء سورية اليوم؟

[email protected]