استقلالية الصحافة

TT

على مدى عقود اشتغلت فيها بالعمل الصحافي كثيرا ما اتسمت العلاقة بين الإدارة والتحرير بالحساسية والتوتر، حيث تحكم الإدارة متطلبات الربح وتنمية الموارد المالية، حتى ليجد رئيس التحرير نفسه في بعض الأحيان تحت ضغط الإدارة قد تحول إلى موظف علاقات عامة أكثر من كونه رئيس تحرير يعمل على تطبيق السياسات المهنية والأخلاقية للمطبوعة، وكثيرا ما يقع بعض أعضاء مجالس الإدارات الصحافية تحت إغراء التنظير الصحافي فيغادرون أدوارهم إلى أدوار أخرى لا علاقة لهم بها ولا دراية، حتى أنني لأتذكر اللحظة عضو مجلس إدارة مؤسسة صحافية محلية، وهو رجل أعمال ناجح، وكيف كان يترك تسيير ماله وأعماله ليداوم في صالة التحرير تحت وهم تطوير العمل الصحافي، ومثل هذا الإداري يجد في بعض المتسلقين من أنصاف الصحافيين من يزين له سوء عمله، حتى ليظن نفسه المنقذ للصحافة والصحافيين.

تذكرت كل ذلك وغيره وأنا أتابع الخطوة الرائدة التي اتخذها الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، في تشكيل مجلس أمناء للفصل بين الإدارة والتحرير، وتعزيز الاستقلالية المهنية لمطبوعات الشركة، وضمان التزامها بالسياسات التحريرية المتزنة التي تبنتها المجموعة، وهي خطوة غير مسبوقة في الصحافة العربية أن يتنازل بأكبر قدر من الوعي مجلس إدارة عن بعض أهم صلاحياته لأمناء محايدين لتحصين الاستقلالية المهنية للمطبوعات، ومن كمال التوفيق أن تضم قائمة الأمناء أسماء تلك الكوكبة المضيئة من أهل الكفاءة والخبرة المتنوعة.

ومما يسهل مهمة الأمناء أن جذور السياسات التحريرية المتزنة والمعتدلة والواعية هي في عمق منهجية مطبوعات الشركة السعودية للأبحاث والنشر، وهذا ما عبر عنه طارق الحميد، رئيس تحرير «الشرق الأوسط»، إحدى مطبوعات الشركة، في رده على إحدى المداخلات في ندوة «الإعلام في أفق القرن الواحد والعشرين» بأنه يميز بين العمل الصحافي وعمل المناضل، مؤكدا أن العمل الصحافي يحبذ العمل على حب الظهور والتظاهر بالبطولات، وهذا في تقديري ما يميز هذه المطبوعة وشقيقاتها عن بعض المطبوعات الأخرى المسكونة بالتوتر والتطرف والمبالغة والادعاء.

هي الريادة تستمد تميزها من مثل هذه الأفكار المبدعة الخلاقة.

[email protected]