مشاوير

TT

ما هو العمر المثالي للمرأة؟، عبثا طفت بذاكرتي في شوارع النسيان أملا في العثور على إجابة. سألت صديقاتي من الشابات وممن ودعن الشباب، وسألت ابنتي، ثم اقتنعت أخيرا أن العمر المثالي هو لحظة تقف فيها المرأة على ربوة عمرها وتنظر طويلا نحو حدود العالم الذي سكنته فتجرب حالة سكون لا تفسده همهمات الخوف من المجهول ولا ارتياب من ان عدوا يعمل في الخفاء.

أيام الدراسة زاملت أميركية كانت مقتنعة تماما بأن الثامنة والعشرين هي قمة النضج في حياة المرأة. قالت إن المرأة التي تبلغ الثامنة والعشرين لا بد ان تكون أكملت مشوارها الدراسي وبدأت أولى خطواتها في الحياة الوظيفية إن كانت قررت ان تعمل. ولا بد أن تكون اختارت شريك العمر وأنجبت منه. فماذا يتبقى لها سوى ان تتربع على عرش عالمها الجميل المرتب وتهنئ نفسها على بلوغ العمر المثالي؟

كلام جميل، وكلام معقول، المهم هو ان سنوات الدراسة انتهت وفرقت الظروف بيني وبين زميلتي. وبعد سنوات التقينا ولم يفتني أن اسألها كيف كانت سنتها الثامنة والعشرين. واكتشفت من حديثها ان شريك العمر تركها بعد الزواج وتزوج أعز صديقاتها. واكتشفت أنها قررت ان تدير ظهرها نهائيا لدراستها الأكاديمية تفضيلا لـ«البزنس»، لأنها اكتشفت أن لغة الدولار هي اللغة المعتمدة اجتماعيا.

بعد اللقاء حاولت عبثا ان أتذكر ما جرى لي وأنا في الثامنة والعشرين. ووجدتني أتذكر الثلاثين بسرور يومض ويختفي وقررت بيني وبين نفسي بأن الثلاثين لا بد ان يكون هو العمر المثالي للمرأة. غير ان المرأة نادرا ما تعترف ببلوغ الثلاثين، وكأن الوصول إلى تلك المحطة العمرية، هو اعتراف ضمني بأن المعترفة قطعت شوطا كبيرا في ماراثون الحياة. ولا بد أنني نسيت الأمر تماما بعد ان تجاوزت مراحل العمر المرتبطة بالمحطات المهمة في الحياة مثل الزواج والانجاب والطموح العلمي والوظيفي، ثم عدت فتذكرته حين قرأت أن امرأة معمرة حضرت حفل تكريم أقيم على شرفها بعد ان تجاوز عمرها المائة عام.

سألت المرأة عن ما فعلته قبل الحضور الى حفل التكريم، فقالت إنها زارت صالون التجميل لكي تصفف شعرها وتعدل زينتها. ثم سألت عن أفضل ما تحب من الطعام، فلم تتردد حين قالت إنها ما زالت تحب الكعك والحلوى. وسألها احد الظرفاء إن كانت تتذكر في أي عام ولدت، وكأنه يختبر قدرتها على التذكر. وشعرت العجوز بأن السؤال يحمل في طياته اختبارا، فقالت على الفور إنها ولدت في نفس العام الذي ولد فيه ونستون تشرشل. وسكت صاحبنا وبان عليه الحرج لأنه هو لم يكن يعرف متى ولد تشرشل. ورغم حضور الذهن والبديهة لاحظ ضيوف حفل التكريم ان المحتفل بها لم تجد حرجا في الاستسلام للنعاس لبضع دقائق أثناء الحفل. وحين أفاقت ابتسمت وقالت للجميع إنها تفضل النوم مبكرا وأنها تستمتع بغفوة قصيرة أينما كانت، لأن الإغفاء لبضع دقائق يعيد لها النشاط واليقظة.

أعجبتني القصة ربما لما فيها من كعك وحلوى وتكريم وزيارة لصالون التجميل بعد سن المائة. أمن المعقول أن يكون العمر المثالي هو الواحد بعد المائة؟ أمن المعقول أن يكون هذا الخاطر دليلا على إسرافي المعهود في التفاؤل؟

فليكن. وليكن العمر المثالي هو هذا اليوم وهذه اللحظة بكل ما تأتي به من احتمالات.