جنّة الحمير على الأرض

TT

جاء في دراسة لوزارة الزراعة المصرية أن عدد الحمير لم يتغير منذ عام 1968، ويوجد الآن في مصر ما لا يقل عن مليون وثلاثمائة ألف حمار من البهائم.

وإنني شخصياً احترم الحمار جداً، واعتبره من أنبل مخلوقات الله، بل إن العرب قديماً ضربوا به المثل وقالوا عن الإنسان المحترم: انه (وقور كالحمار)، لهذا سعيت طوال حياتي أن أكون محترماً.

ولم لا؟!، فالحمار حمل أثقال الإنسان أجيالا وراء أجيال في الحقول والجبال والقرى والمدن وميادين القتال وملاعب السيرك، ولم يشك ولم يتذمر.. انه أحياناً يحزن وينهق (ويعنفص) ويرفس، ولكنه سرعان ما يستكين ويهجع وينكس رأسه.

وما أكثر ما سخر الإنسان من الحمار، وما أكثر ما ضربه، وما أكثر ما أنكر معروفه، فالإنسان بطبعه (أكال نكار).

ولا أنسى أن أول حب وعشق بريء في حياتي كان لجحشة صغيرة مكحولة العينين وعليها خط اسود يمتد من قمة رأسها إلى أطراف ذيلها، أقول ذلك دون أي خجل، ويبدو أنني تأسيت في هذا المضمار الحيواني بأديبنا الراحل توفيق الحكيم الذي أحب الحمير حباً جماً إلى درجة أنه اقتنى حماراً معروفاً أطلق عليه الجميع مسمى (حمار الحكيم).

ولا أظن أنه عبر التاريخ كله كان هناك حيوان مضطهد أكثر من الحمار (الغلبان).. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جبروت الإنسان وتلذذه باضطهاد الضعيف. وإنني والله قدرت سيدة إنجليزية تدعى مدام (سفيدسون) تركت زوجها وطلقته (بالثلاثة) بسبب غيرته الجنونية من حبها لحمار فحل، ووصل بها الحد إلى أن تدخله في المنزل وأحياناً ينام معهما في غرفة النوم، وعندما ضاق الزوج ذرعاً بهذه الحياة المشتركة ما كان منه إلاّ أن هددها قائلا: اختاري يا أنا يا الحمار، فما صدقت على الله أن تسمع المدام هذه الجملة حتى ضحكت إلى أن بانت نواجذها وفتحت له الباب قائلة: برا، واصحى توريني وجهك الذي ينطبق عليه المثل القائل: (لا وجه في مقعد ولا حضن في مرقد).

ونكاية بذلك الزوج أقامت هي في الساحل الجنوبي الغربي لانجلترا محمية للحمير ضمت أكثر من (7000) حمار وحمارة، محفولة مكفولة من ناحية الأمان والأكل والطبابة وكذلك الترفيه، فهل أنتم معي أن تلك (الليدي) تستحق أن نضرب لها جميعاً (تعظيم سلام)، وفوقها ثلاث نهقات محترمات؟!

وقد قررت، ولن يرد قراري هذا أحد بحول الله وقدرته، لقد قررت في هذه السنة أن اذهب إلى قبرص، وتحديداً إلى الجزء التركي من هذه الجزيرة، وتحديداً أكثر إلى اللسان الشمالي غير المأهول بالسكان من بني البشر، فهناك منطقة أقامتها مجموعة حضارية من الناس أطلقوا عليها مسمّى: (جنة الحمير على الأرض).. وهي فعلا اسم على مسمّى، فالحمير هناك ترعى وترتع وتتناسل ولا يسمع سوى نهيقها الذي يتردد صداه بين الجبال وعلى السواحل في وقت التزاوج، ولا شيء يكدر مزاجها وحريتها.

وأروع ما في الموضوع أن السياح بدأوا يتقاطرون على تلك المنطقة، وهناك فندق صغير من الصعب أن يجد فيه إنسان غرفة شاغرة، وعندما حاولت الحجز فيه لم أجد هناك إمكانية إلاّ بعد أربعة أشهر.

وإنني أنصح كل من أراد أن يرفه عن نفسه وينسى (الدنيا وما فيها) أن يذهب إلى هناك، وأشدد النصيحة أكثر لكل عروسين في شهر العسل، أن لا يفوتا الفرصة ليحجزا من الآن في ذلك الفندق، وإنني على أتم الاستعداد أن أزودهما (بالإميل وأرقام التليفونات)، وأضمن لهما أن مولودهما إن شاء الله سوف يكون طوال حياته (وقوراً كالحمار).

أرجو المعذرة إذا كان هناك من استاء من كلامي هذا، لكن يعلم الله أنني لا أود غير الخير سواء للبشر أو الحمير جميعاً، فكلنا مخلوقات الله.

[email protected]