مدخل

TT

أرادت الصين أن تذهل العالم فأذهلته. للآسيويين مدخل مألوف الى مرتبة الدول الكبرى هو الألعاب الاولمبية، أو «الرياضة النقية» البعيدة عن مغريات الاحتراف. هكذا دخلت اليابان الى المشهد العالمي في اولمبياد 1964 بعيد انتصاراتها البشعة وهزيمتها البشعة في الحرب العالمية الثانية. وهكذا أطلت كوريا الجنوبية عام 1988 مؤذنة بانتمائها الى العالم الصناعي.

لمن لا يعرف مثلي في شؤون الرياضة وأصول الخسارة والربح وأحكام فارق الثواني في المنافسات، اكتفيت بتأمل هذا العرض النادر للقدرات البشرية: قدرة الجسم الإنساني على تدريب العضل وتطويعه حتى يكاد يفوق أداء الآلة في مرونتها وصلابتها معا. وقدرة الصين، الخارجة حديثا من قمقم العزلة وعبادة الشخص، على تجاوز أميركا مرتين: مرة بما حصدت من ذهب، ومرة بجماليات التنظيم التي فاقت كل العروض.

اعتلت الصين هذه المراتب الاقتصادية والسياسية والعلمية، من دون أن تستورد من الغرب الخبراء أو النظام الرأسمالي. وعلينا أن نصدق، أو بالأحرى أن نقبل، أنها رغم كل ما أنجزت لا تزال تعمل بالنظام الشيوعي. على أي حال هناك نظام صيني ما، جعلنا نتابع الأولمبياد دون أن يتذكر احد منا اسم رئيس الدولة أو رئيس الوزراء، في حين عاش العالم خمسين عاما وهو لا يعرف عن الصين سوى إنجاز واحد: اسم الرئيس واسم رئيس وزرائه.

ما هو السر في بلد يعيش عقودا طويلة في ظل رجل لا اسم سوى اسمه، ثم ينتقل ليعيش في ظل فريق لا يعرف معظم الصينيين معظم أعضائه؟ كيف يخرج دنغ كسياو بنغ من رفقة ماو ومسيرته ثم من سجونه، ليبدأ هذا التغيير المذهل؟ كيف قطعت الصين في نحو ثلاثين عاما كل هذه المسافة التي لا تصدق، من إحدى أفقر دول العالم، الى احد أهم الاقتصادات في التاريخ؟ لقد فعلت المانيا واليابان ذلك من قبل، عندما نفضتا ركام الحرب ورمادها، ولكنهما تلقتا يومها مساعدة الدولة المنتصرة، أي أميركا. وهكذا فعلت معظم دول أوروبا.

كانت بكين في حاجة الى أنوار الأولمبياد لكي تلقي الأضواء أمام العالم اجمع على ما وصلت اليه. ولم ينقصها عدد الحضور من الرؤساء والزعماء الذين جاءوا يعجبون ويخافون من القوة الجديدة في العالم. هل هذا هو «العرق الأصفر» يدفع الآن بآسيا نحو أعلى البرج؟