سياسة الجريمة الحارة

TT

تملأ السياسة حياتنا بالكذب والتهريج السقيم، الثقيل الظل، البليد الوقع. وفي فجور يومي غير منقطع، يحوِّل السياسيون انظارنا البلهاء عن المجازر التي يرتكبونها والمآسي البشرية التي ينشرونها من حولهم دون توقف. بكل غباء نتابع ما يقولون لا من يقتلون. يرمون امامنا عناوين مهترئة مثل «عودة الحرب الباردة» لكي لا تلتقط انوفنا روائح اهتراء الجثث، يغرقوننا بالتصريحات لكي لا نسمع عويل الاطفال وامهاتهم، السياسة ليست بوتين وبوش وبلادة كوندوليزا رايس وفظاظة الديبلوماسية والصحافة الروسية. بل هي الركام الذي تركه الروس بالدبابات في اوسيتيا وما تركه الاميركيون بالقاذفات في العراق. «الحرب الباردة» قناع للجريمة الباردة، لكي لا نرى عشرات الآلاف الذين شردوا والآلاف الذين قتلوا وعشرات الآلاف الذين هجروا في البطش «الاهلي» المعهود؟ الا تسمى الابادات حروبا «اهلية» يتولى خلالها الجيران ذبح جيرانهم و«كبس» السنتهم وآذانهم في مراطبين زجاجية، كما حدث في رقي لبنان وتحضره؟

لا تصدقوا هذا التعبير الكاذب: «الحرب الباردة». انها منافسة مشتعلة على جثث الناس وارزاقهم. هي حرب رديئة بين دب بدأ يستعيد قواه وبين ثور يرى ان قواه تخور. هذا هو الدب ينتقم مما فعله الاميركي في صربيا وفي كوسوفو، ويضحك حتى ينقلب على قفاه، شماتة بما يحدث للثور في افغانستان. لقد ودعت السوفيات بقوة طالبان وها هي تستعد لتوديع الاميركيين تحت لوائهم. عندما كان موفد الـ «بي بي سي» سمبسون يعلن سقوط كابل التي كان اول مراسل يدخلها، كان عليه ان يضيف لسامعيه ان لا شيء غيرها سوف يسقط. في انتظار عودة الملا عمر على دراجته من الجبال.

ما نراه في موسكو وجورجيا تاريخ يجتر فظائعه واحقاده تحت راية همجية قديمة تسمى السياسة. من عاصمة جورجيا خرج الى روسيا ذات يوم افظع جلادين في تاريخها الامبراطوري والبولشفي: الاول يدعى يوسف ستالين والثاني يدعى ليمنتري بيريا. الاول اصدر الامر باعدام ملايين الروس والثاني خنقهم فردا فردا باصابعه المريضة. في اسفل جمجمة كل روسي شبح ستالين يبتسم ونظارتا بيريا يضحك. وهذا ليس تفسيرا ساذجا لمحاولة الروس اذلال جورجيا. ولا هو تفسير ساذج لمحاولة جورجيا الهرب الى احضان اميركا منذ اللحظة الاولى: ثمة رئيس جورجي آخر تريد روسيا اذلاله، ادوارد شفاردنازه الذي لعب دورا خفيا في اسقاط السوفيات!