الاحتفال بخمسة وإهمال مائتين

TT

الاحتفالات الكرنفالية الضخمة سيرت في يوم إطلاق سراح خمسة من أسرى حزب الله من سجون اسرائيل. اطلق على الحدث اعظم انتصار في هذا السنة، رغم انه بقي على نهاية العام حينها خمسة اشهر.

أما امس فقد اطلق سراح نحو مائتي فلسطيني بينهم شيوخ واطفال، وفدائيون يوم كان العمل الفدائي واضح الهدف وخالص النية. مرت المناسبة عرضا، بلا طبل أو مزمار، ولم يعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس انها انتصار آخر، تواضع كعادته فهنأ مواطنيه، كما فعل قبل نحو ثلاث سنوات عندما اطلق سراح اربعمائة فلسطيني كانوا في سجون الاحتلال.

إن الفرحة الظاهرة العارمة الصادقة بإطلاق أي أسير تجدها عند أهله، أمه وأبيه وأولاده، اما البقية فاحتفالاتهم عمل سياسي ودعائي. وبالتأكيد حزب الله في حاجة ماسة الى الاحتفال لتبرير الحرب الماضية وإقناع جمهوره بانه انتصار رغم أن العديد منهم في حزن على وفاة الف من ابنائهم في تلك المعارك، ودمار بيوتهم.

لهذا كان إطلاق سراح خمسة لبنانيين حدثا ضخما، والإفراج عن مائتي فلسطيني عملا عاديا.

السبب، أيضا، يعود الى من هو راعي المناسبة. ان كانوا الثوريين فهم يجيدون بيع الكلام، وتنظيم المناسبات، وجلب آلاف الناس من المدارس والبيوت، وتزيين الشوارع، وإطلاق الأوصاف الضخمة. اما ان كانت الجهة الراعية غير ذلك فسيكون جل اهتمامها ابلاغ ذوي الاسرى، وتأمين وسائل نقل للمفرج عنهم، وتحاشي المتاجرة بالمناسبة.

حتى نفهم أي حدث، اعتدنا، في الإعلام، على قراءته بعد تنظيفه من التفخيم او التحقير. ونحاول دائما ان نفهمه مجردا، كما هو على حقيقته. أتذكر في مرة ماضية، عندما حصلت السلطة الفلسطينية على حق إطلاق أربعمائة أسير من سجون اسرائيل، أن بعض معارضيها لم يتورعوا من السخرية من النتيجة، ويباركوا للقابعين في السجون، كما لو كان الافراج عن معتقل عملا ذليلا. وأحدهم صرح بلا خجل قائلا إنها مناسبة حزينة لأن اسرائيل اطلقت اربعمائة وتركت في السجون عشرة آلاف! ونفس الجماعة ارسلت برقيات تهنئة لحزب الله عندما أفرجت اسرائيل عن خمسة فقط واعتبرته انتصارا تاريخيا.

نحن نتحدث عن العبث السياسي، لا عن مشاعر الناس الحقيقية، حيث لا اعتقد أن هناك من يكره أن يرى الخمسة اللبنانيين يطلق سراحهم، ولا اتخيل أنه يوجد شخص، مهما كان مذهبه السياسي، يكره أن يرى سجينا يرجع الى أمه بعد ثلاثين سنة في الاعتقال، او لا يفرح وهو يرى طفلة صغيرة تخرج الى النور بعد أن ولدت وراء قضبان السجن.

الاحتفالات هنا لعبة سياسية، بعض الاطراف تحاول ان تقنع جمهورها بأن هزيمتها نصر، وتنازلاتها فخر، وكلامها كله الصدق. فلا يوجد منطق، أو قواعد محددة ثابتة، تقول لنا من هو الوطني، ومنْ عديم الوطنية.

[email protected]