باكستان

TT

باكستان تستعد لدخول منعطف درامي جديد في تاريخها غير المشرق والمخيف. وها هو حاكم آخر يغادر السلطة بعد أن أتى اليها بانقلاب عسكري، ويستعد للحلول مكانه رموز الفساد الإداري والمالي، والذي بات سمة أساسية ولا يمكن إنكارها حين الحديث عن الواقع السياسي المجنون في باكستان. باكستان والهند ولدتا من نفس رحم الاستقلال من الاحتلال البريطاني، ولكن بعد مرور سنوات طويلة تبدو المقارنة مليئة بالسخرية والفكاهة، الهند تنطلق بخطى ثابتة نحو العالم الصناعي الأول وتثبت أقدامها فيه بكل جدارة وثقة واستحقاق، بينما تواصل باكستان السقوط في أوحال الطائفية والقبلية والجهل. الهند باتت وبكل تمكن يطلق عليها لقب الديمقراطية الأكبر في العالم، ويوما عن يوم ترسي فيها قواعد وأساسيات المجتمع المدني الفعال ويتم الاعتماد على دولة القانون، مع الاستثمار الجاد في العلم والتعليم، لقد استفادت الهند وحصدت الاستفادة القصوى من واقع الاحتلال البريطاني، وأخذت منه أفضل ما يمكن الحصول عليه من أنظمة وقوانين وتعليم وقضاء وبنى تحتية مساندة كالسكك الحديد والبريد والصرف الصحي، بينما استمرت باكستان كدولة هندية (دون العلم البريطاني! ولم تستفد باكستان من الاحتلال بقدر استفادة جارتها الهند منه) وهو بالمناسبة حالة ليست فريدة ولا حصرية للهند وباكستان فقط، فحتى عربيا وتحديدا في الدول التي احتلها فرنسا خلفتها دول فيها فوضى (وخصوصا منطقة الشام) على عكس الاحتلال البريطاني الذي كان موجودا بالأردن، فهو خلفها دولة أكثر فعالية وانضباطا أو كما يقول صديق «الدول التي احتلتها فرنسا ما طلع معها إلا أكل طيب وبس، ما اهتموا إلا بالمطبخ!». باكستان دولة تخصصت في فن إضاعة الفرص وعدم استغلالها للظروف، وعشقت فن الانتماء للقبلية والأقاليم على حساب الدولة الموحدة، وبالتالي لم تستطع أن تفرز أحزابا سياسية حقيقية، ولكن أفرزت «زعماء» جماعات يقودون قطيعا وفي كثير من الأحيان الى الهاوية، وكان هذا المناخ المسموم كفيلا بأن يولد تطرفا وإرهابا وشرذمة وعنفا يصبح عنصرا فعالا في تفريخ المجموعات الأصولية، وكذلك شريكا حيويا في الكثير من عمليات النصب والاحتيال والأعمال المشبوهة المريبة. اليوم باكستان تقف على طريق اختيار زعيم جديد وهو على الأغلب سيكون من «الأرشيف» ويقدم ما قدمه من قبل وتعاد الكرة من جديد ويعود العسكر وهكذا دواليك. باكستان لم تواجه عدوها الحقيقي لليوم وهو الشرذمة والقبلية والمناطقية وعدم قدرتها على التعامل مع الفساد المالي وتجاوزاته. وحتى يحدث ذلك ستبقى باكستان من مضرب الأمثال في سوء الحال.

[email protected]