تسييس الإخوان؟

TT

من غزة الى مصر ودول المغرب العربي وبعض دول الخليج تشكل جماعة الاخوان المسلمين حالة قائمة في الواقع السياسي في هذه المجتمعات مع تفاوت العلاقة مع السلطات، من سيطرة على غزة وممارسة الحكم لأول مرة عبر حماس، الى الوجود كمعارضة تمثل قطاعا كبيرا من تيار الاسلام السياسي، الى الاشتباك يأخذ موجات تصعيد وتهدئة حسب الحالة السياسية في بلد مثل مصر.

وقد لا تكون جماعة الاخوان هي كل تيار الاسلام السياسي سياسيا وفكريا، فهناك تيارات وأفكار اخرى ضمن هذا التيار على يسارها ويمينها، كما ان هناك اجتهادات وآيديولوجيات عديدة خرجت من بطنها في إطار هذا التيار، وتتفاوتت مواقفها تجاه المجتمع والسلطة، لكن المؤكد ان الجماعة هي الأكبر بينها، وهي الوحيدة التي تملك نظريا إمكانية طرح بديل بصرف النظر عما اذا كان هذا البديل سيكون مفيدا للمجتمع او يأخده خطوات الى الوراء.

ورغم كل شيء فان الجماعة في الظرف الحالي هي في وضع افضل بكثير من اي وقت مضى منذ عقود نتيجة عوامل عديدة ابرزها انحسار التيارات الفكرية المنافسة مثل القوميين واليساريين وضعف التيار الليبرالي وصعود أفكار الاسلام السياسي. وهي موجودة ضمن التركيبة السياسية في عدة دول عربية كقوة اساسية حتى ولو كانت في المعارضة وخطابها السياسي مؤثر، وهذا ظاهر في بلدان المغرب العربي وفي الاردن وبلدان خليجية حيث اصبحوا قوى شرعية ولهم تمثيل نيابي قوي، وحتى في مصر ـ بلد المنشأ، والأكثر حساسية نتيجة اختلاف وضعه عن بقية بلدان المنطقة باعتبار ثنائية تركيبته السكانية (مسلمون وأقباط) ـ فإن لديهم عشرات النواب في البرلمان ولديهم منابرهم الاعلامية وحتى مؤسساتهم الاقتنصادية، والعلاقة مع السلطة رغم الشد والجذب فيها شعرة لم تقطع حتى الآن.

واللافت أن الجماعة تستقطب اهتماما خارجيا خاصة في الغرب اكثر من اي قوة سياسية اخرى خارج السلطة، لكن الاهتمام الذي يظهر في احيان كثيرة من خلال انتقادات للملاحقات التي يتعرض لها اعضاء في الجماعة يحمل ايضا توجسا، لسبب بسيط هو أن أحدا لا يعرف ماذا ستفعل هذه الجماعة اذا حدث ووصلت الى السلطة تحت اي ظرف. والتوجس لا يقتصر على الخارج ولكنه موجود في الداخل، فالاخوان حتى الآن لم يطرحوا أنفسهم بشكل واضح كقوة سياسية لها افكارها وتصوراتها باستثناء الشعارات الاسلامية العامة، وانكم جربتم كل شيء: اشتراكية، رأسمالية، قومية، الى آخره، ولم تصلوا الى شيء، فلمادا لا تجربونا؟ وهو طرح غير مقنع، ورغم الرسالة الواضحة فيه بشوق الاخوان الى السلطة، الا انه يحمل معه سذاجة سياسية ايضا.

وليس ضروريا ان يكون الصدام حتميا، مثلما حدث في السابق، خاصة في الخمسينات عندما تصورت الجماعة انها اقتربت من السلطة بعد 1952 ففوجئت بأن الموقف غير ما تصورت، وتعرضت لأقسى ضربات منذ ظهورها في عشرينات القرن الماضي.

صحيح أنها منذ هذا التاريخ طورت مواقفها في اتجاه التسييس اكثر وتخلت عن أفكار السلاح والتنظيم الخاص، والأشكال التي تلجأ اليها الحركات السرية، لكنها حتى الان لم تستطع ان تطور نفسها باتجاه ان تصبح جزءا شرعيا من المعادلة السياسية، او بمعنى آخر الابتعاد عن مظاهر الكهنوتية التي تحيط بها نفسها بما في ذلك مظاهر مثل تقبيل يد المرشد، وطريقة اختيار مكتب الارشاد، الى ان تصبح قوة سياسية مدنية. وهناك مظاهر على ان التحول يحدث وإن كان بطيئا ويقاومه الحرس القديم في الجماعة. وفي حالة مصر يمكن ملاحظة انه رغم الصدام فان هناك علاقة شعرة لا تنقطع بين الدولة والاخوان وضغوط كل جانب على الآخر لدفعه الى التغيير من الداخل، فالاخوان يدفعون في اتجاه تغيير الدولة بمحاصرتها بشعارات اسلامية لدفعها تدريجيا نحو ما تتصوره كمظاهر أسلمة سياسية، والدولة تضغط باتجاه دفع الاخوان الى التسييس أكثر ليصبحوا قوة مدنية فكريا.

ولا يمكن رؤية مستقبل سياسي حقيقي لحركة الاخوان المسلمين إلا بتحديث نفسها والتخلص من أفكار الحرس القديم نحو رؤية سياسية حقيقية تعالج الاشكالات الاخرى في فكر الجماعة بما يتماشى مع العصر، مثل قضايا المرأة وغير المسلمين، وقبول ان مصدر السلطات في الدولة الحديثة هو الشعب، وان سيادة هذه الدولة وحماية حدودها مسألة مقدسة، وفي الذهن هناك التجربة التركية في الاسلام السياسي والمتمثلة في حزب العدالة والتنمية.