قائد للجيش

TT

كان علينا أن نصدق أن الحكومة التي شكلها اللبنانيون هي «حكومة الوحدة الوطنية» التي ذهبوا إلى الدوحة للاتفاق على إقامتها. وقد استغرق تشكيل حكومة الوحدة والوطن الموحد بضعة أسابيع لأن الخلاف الوطني الكبير في سبيل وحدة لبنان كان قائما حول حقائب المال والاتصالات والأشغال العامة.

ثم حدث وشكلت، أي حكومة الوحدة الوطنية، وتبين أنها بوزرائها الثلاثين وحماسهم الوطني المريع وحبهم القاتل للوطن، غير قادرة على تسمية قائد للجيش من ضباط الطائفة المارونية التي لها الحق الحصري في هذا المنصب وفي كل منصب وجاهي آخر.

حق حصري للموارنة في أن يكون قائد الجيش من طائفتهم، لكنه لا يحق لهم تسميته ولا التحفظ على التسمية. ولا يحدث ذلك في حصص الطوائف الأخرى التي تعرف جيدا كيف تؤدب المعترضين.

لن يكون الخلاف على قائد الجيش والخلاف الأخير في حكومة الوحدة الوطنية. «فالثلث المعطل» الذي تم الاتفاق عليه في الدوحة بعد عامين من النزاع المرير، هذه هي مهمته الحقيقية: أن يعطل الثلثين الآخرين.

تعيين قائد الجيش قرار يتخذه في الدول السوية وزير الدفاع. وهو منصب إداري رفيع لا يعلم أحد بخلوه ولا بملئه. وفي دول كثيرة لا تعرف أكثرية الناس اسم قائد الجيش حين يأتي أو حين يتقاعد. فهو ضابط عسكري خاضع لقرار السلطة المدنية. وهذه المرة الأولى في تاريخ لبنان وتاريخ الجيش الذي أسس قبل 60 عاما، يثار جدل حول اسم القائد العتيد. فالمفروض أن الرجل عسكري وبلا انتماءات سياسية أو انتسابات حزبية. والمفروض أن تبقى المؤسسة العسكرية بعيدا عن الصراعات والمنازعات، فإذا بهم يحشرونها في قلب الدوامات، وإذا بقيادة الجيش التي كانت رمزا لا يقرب، تصبح مثلها مثل أي موقع له خناقته وحصصه وأحقاده.

لا أدري إلى متى تدوم الأوطان المتصدعة على هذا النحو. لكن حكومة الوحدة الوطنية أصبحت معرضا سافرا للأعراض الفاسخة أو الفالقة التي تضرب لبنان. لقد انتقلت أهواء الشارع إلى مقاعد الحكومة. وأصبحت هذه نموذجا لانعدام الثقة والخوف المتبادل من النوايا وحالة الشلل التي دخلت فيها الدولة وحالة النزع التي دخل فيها الوطن.