خطاب الملك محمد السادس

TT

في الأربع سنوات الأخيرة يشعر الزائر للمغرب بنمو عمراني مطرد في الرباط، وطنجة، والدار البيضاء وغيرها. ويلمس الزائر حراكا فكريا، وارتفاعا لمستوى النقاش السياسي حول التحديات التي تواجه المغرب، من القضاء على البطالة والفساد، إلى تطوير التعليم ومواجهة الفقر.

قبل أيام جاء خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لثورة الملك والشعب، مهما ولافتا للنظر. أهمية الخطاب تكمن في أن العاهل المغربي نفسه هو من يتحدث عن ضرورة تعميم والزامية التعليم لأبناء البادية والمناطق النائية، ودعم الفقراء.

كما أن أهمية الخطاب تتضمن اشتماله على الحديث عن الرشوة والفساد، وبناء الجيل المغربي الجديد القادر على خلق اقتصاد فعال ومتين، من أجل مغرب قوي. وهذا هو التحدي الحقيقي اليوم للمغرب خصوصا مع وجود بطالة تصل إلى 20%.

قبل أسبوع كنت في المغرب لحضور منتدى أصيلة الذي أقيمت إحدى ندواته بالتشارك مع صحيفتنا، وكعادتي أفضل السفر داخل المغرب بالسيارة، فقد مررنا على قرى وهجر كثيرة من طنجة إلى الدار البيضاء، وهذه ليست المرة الأولى بالنسبة لي.

ففي كل زيارة أفضل التحرك بالسيارة من فاس، أو طنجة أو غيرهما، ودائما ما تستوقفني القرى والفقر فيها، وكذلك المساحات الخضراء التي لم تستغل، وهذا يمثل تحديا حقيقيا للمغرب. فمع رغبة الملك محمد السادس في بناء مجتمع اقتصادي مغربي قوي، فلا بد من ثورة تعليمية، مع ايصال التعليم للقرى، وضرورة تقديم المساعدة للمشاريع الاقتصادية الصغيرة.

فبناء المشاريع الصغيرة والمتوسطة، يسهم في تقليل البطالة، على اعتبار أن المشاريع الصغيرة لا تستطيع القيام وحدها من دون مشاريع أخرى تساندها، وهذا يعني خلق دوائر مترابطة ببعضها البعض ينتج عنها خلق قطاع اقتصادي عملي وسريع النمو.

وأسهل أمر لخلق هذا النمو الاقتصادي هو القطاع السياحي، والمغرب قادر على أن يكون دولة سياحية بعدة مواسم، للغرب والعرب وغيرهم، لكن ذلك لن يتحقق من دون التعليم، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وقبل ذلك ايجاد البنية التحتية للسياحة.

مثال بسيط على ذلك أصيلة المدينة الأنيقة والطموحة على ضفاف المحيط الأطلسي حيث لا يوجد فيها فندق مناسب لاحتضان زوارها، وهو أمر مؤسف، لكن هذا ليس بالأمر المطلوب من الحكومة المغربية، بل هو جهد اقتصادي استثماري. وهذا لب الحديث فلا بد من أن يكون هناك استقطاب لرؤوس أموال خارجية، عربية وغيرها للاستثمار في المغرب، وهذا لن يتحقق ما لم يكن هناك تحرك قوي في مجال التعليم، ومكافحة الفساد والرشوة.

ومن هنا تأتي أهمية خطاب العاهل المغربي عن التعليم ومحاربة الفساد والرشوة، بوضوحه وصراحته. ولا بد من دور عربي، وتحديدا خليجي لدعم المغرب من خلال الاستثمار السياحي، والزراعي، والصناعي، وكذلك التعليمي.

مغرب قوي مستقر أفضل لنا كثيرا من مغرب تستقطب البطالة فيه التطرف والجريمة، ونخسر دولة عريقة على ضفاف الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وعلى أعتاب أوروبا. المغرب ليس للمغاربة وحدهم، بل هو لكل العرب بتاريخه ودوره الحضاري الكبير.

[email protected]