هل يكون زرداري رجل أميركا الجديد في باكستان؟

TT

«تعرية» الجنرال من مناصبه وألقابه، قد تكشف «تعرية» باكستان من الاستقرار. هناك «تمرد» على نطاق واسع في باكستان. مجموعات مختلفة دينية، وسياسية، وقبلية ومذهبية تقاتل في المناطق القبلية/ الحدودية، والجيش منتشر بقوة يحاول مواجهتها.

لقد تدهور الوضع في باكستان منذ حصار «المسجد الأحمر» وهدفان يركز عليهما «المقاتلون» في باكستان. الأول: الشيعة من تجمعات وزعماء دينيين رداً على هجمات يتعرض لها السنّة.

والثاني: اهداف عسكرية. ومنذ حصار «المسجد الأحمر» وقعت عدة هجمات انتحارية ضد أهداف عسكرية، وكان آخرها ما تعرض له الاسبوع الماضي اكبر مجمع صناعي عسكري بالقرب من اسلام آباد، حيث قتل اكثر من مائة شخص.

«طالبان باكستان» تحملوا المسؤولية، هم يقومون بعمليات انتقامية ضد عملية عسكرية ضخمة تشن حالياً في منطقة القبائل «باجور» حيث قُتل مدنيون وهرب حوالي 300 الف. والعمليات الانتقامية التي تقع في اسلام آباد رداً على ما يجري في «باجور»، انما تعكس ما يجري في باكستان.

الباكستانيون لا يدركون ضخامة الخطر الذي يتهددهم، القادة العسكريون يشعرون بيأس، والسياسيون مشغولون بخصوماتهم، ولا يتكلمون عن الخطر. آصف زرداري قال لاذاعة الـ«بي.بي.سي» مساء الاحد الماضي: «خسرنا الحرب ضد الارهاب».

هناك انفصال كامل. ثم ان قائد الجيش الجديد الجنرال اشفق برويز كياني يقول في مجالسه المغلقة، انه يريد دعماً اكثر من السياسيين، فجنوده يموتون ويُخطفون في المناطق القبلية، ثم انهم غير متأكدين من انهم يقاتلون في معركة عادلة، يظنون انهم يقاتلون من اجل اميركا، وغير متأكدين من ان الشعب الباكستاني يدعمهم.

هناك أزمة قيادة سياسية في باكستان، كان الرئيس برويز مشّرف يقول إن الكل يحتاج اليه ليتعامل مع هذا الوضع، الآن رحل، والوضع يزداد سوءاً، ليس لأن مشرف غادر، بل لأن الحكومة المدنية لا تريد تحمل مسؤولية اتخاذ قرارات صعبة قد تحتاج الى مفاوضات (كما تريد الحكومة)، انما تستدعي ايضاً اللجوء الى القوة من اجل ابلاغ زعماء القبائل والمجموعات الدينية انه عندما لا يلتزمون بتعهداتهم، فإن هناك عقاباً يلجأ اليه الجيش الباكستاني.

السياسيون المدنيون قدموا الملف الى الجيش، لكن الجيش لا يكتفي بذلك، هو يطلب دعماً سياسياً واضحاً، ويريد من السياسيين ايجاد مناخ يقنع الشعب بأن الجيش لا يقاتل في حرب اميركية انما باكستانية ومن اجل بقاء باكستان. استقال مشّرف فلم يبق ما يجمع بين «حزب الشعب» و«الرابطة الاسلامية». آصف زرداري، زوج بنازير بوتو، واجه تهماً كثيرة بالفساد، ويزعم المحققون الباكستانيون انه جمع ثروة تقدر بمائة مليون دولار. هو يريد الرئاسة، رافضاً وحزبه الانصياع لطلبات نواز شريف التي تتضمن اعادة القضاة، وتخفيض صلاحيات الرئيس وتأخير انتخابات رئيس جديد لمدة شهر.

امضى زرداري اكثر من عشر سنوات في السجن في باكستان، واكثرية الباكستانيين صُدموا كونه سيصبح رئيساً عليهم.

كم سيبقى في المسؤولية اذا انتخب؟ يقول لي احد الصحافيين الباكستانيين: «ان الجيش لن يتقبله طويلاً» وقال عنه احد الضباط: «ان لسمعة هذا الرجل رائحة نتنة».

لكن الجيش لن يتدخل فوراً، خصوصاً بعد فترة من الحكم العسكري لمشرف: «ان المؤسسة العسكرية في موقع محرج، لكنها غير مرتاحة، ثم ان نواز شريف سيلجأ الى سياسة الهجوم ويحاول زعزعة مركز زرداري وقد يدفع الى انتخابات مبكرة».

لاحظ اكثر المعلقين، ان زرداري يتخوف من اعادة القضاة لاحتمال ان يعيد كبير القضاة افتخار محمد شودري فتح ملف قضايا الفساد ضده. وكان مشّرف اسقط عنه هذه التهم ضمن صفقة ساهمت فيها ادارة الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش، لتمهيد الطريق امام الانتخابات. لكن ليس زرداري السياسي الباكستاني الوحيد المتورط بالفساد، اذ قبل اطاحته عام 1999، اتهم نواز شريف وحكومته بسوء الادارة وعدم الشفافية.

ان انشقاق شريف قد لا يؤدي الى سقوط الحكومة التي يقودها «حزب الشعب». وتتعرض الحكومة لضغوط كثيرة من واشنطن والمؤسسة العسكرية لمنح عفو لمشّرف، غير ان «الرابطة الاسلامية» تريد محاكمته وتحميله مسؤولية خرق الدستور، ثم ليس هناك من ضمانة ان يقبل شودري اي صفقة تعقد مع مشّرف وبرفضه قد يعرض علاقات الحكومة مع واشنطن والمؤسسة العسكرية الى التوتر.

وكان مشّرف في ظل التعديدل 17 للدستور، منح نفسه سلطات واسعة منها حق اقالة رئيس الوزراء، وحل مجلس النواب، كما يحق للرئيس في ظل هذا التعديل تعيين كبار الموظفين بمن فيهم قائد الجيش. هذا ما يريد شريف العودة عنه، لكن زرداري الطامح للرئاسة يعتبر ان وراء مطالب شريف بالاصلاحات الدستورية واعادة القضاة هدفاً لتقوية وضعه الانتخابي.

ان هذه المواجهة المحصورة حالياً، قد تؤدي الى انفجار سياسي تدفع اليه الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ذلك ان ارتفاع اسعار الوقود والغذاء اوصل التضخم الى 25%، كما ان العملة الباكستانية (الروبية) فقدت 25% من قيمتها تجاه الدولار وانخفضت الاستثمارات الاجنبية.

الانفصال الكامل بين تناحر السياسيين والواقع في باكستان، يضاف اليهما الضغوط من واشنطن لتكثيف العمليات العسكرية في منطقة القبائل، من اجل القضاء على المقاتلين و«طالبان» في افغانستان، قد تؤدي الى اغراق باكستان في فوضى سياسية عارمة او حتى في حرب اهلية.

منذ الغزو الأميركي لافغانستان في تشرين الأول (اكتوبر) 2001، اتخذ قلب الدين حكمتيار زعيم «حزبي اسلامي» الافغاني من «باجور» قاعدة له، وينطلق منها في هجماته للسيطرة على المناطق الشرقية في افغانستان. وهذه السنة كبد مقاتلوه الاميركيين والافغان خسائر جسيمة في المناطق الحدودية مثل خوست وباكتيا وكونار ونورستان...

اما المناطق الحدودية الباكستانية الاخرى، جنوب وشمال نورستان فصارت معاقل لزعيم «طالبان باكستان» بيت الله محسود، واصبحت ملاذات آمنة لطالبان افغانستان بقيادة جلال الدين حقاني. ويتراوح عدد المقاتلين التابعين لهما، ما بين 20 و30 الفاً، يشنون حرب عصابات ضد القوات الاميركية وقوات الحلف الاطلسي في جنوب افغانستان، كما انهم يقومون بعمليات انتحارية داخل باكستان.

هناك اعتقاد بأن «طالبان» وقوات حكمتيار يتبعون الخطة العسكرية نفسها التي اعتمدت خلال الحرب التي شنها المجاهدون الافغان ضد الاحتلال السوفياتي لافغانستان في الثمانينات، وكانوا آنذاك يتلقون دعم الـ«سي.اي.ايه». حالياً، وتدريجياً يوسعون المساحات التي يسيطرون عليها، ويتمركزون في مواقع لعرقلة طرق الامدادات للمدن الافغانية الكبرى، وهدفهم الأبعد تطويق قندهار وكابول.

بعد يوم واحد من استقالة مشرف، سافر قائد المؤسسة العسكرية الباكستانية الجنرال كياني الى كابول، واجرى محادثات على مستوى عال مع الضباط الاميركيين وضباط الحلف الاطلسي لتنسيق العمليات ضد المتمردين و«طالبان» على الحدود.

ان وحشية الهجوم على باجور والمناطق القبلية والذي لا يستثني مدنيين واطفالاً، يولد غضباً كبيراً لدى الباشتون الذين يعارضون الاحتلال الاميركي لافغانستان، كما يؤدي الى عمليات انتحارية انتقامية في المدن الباكستانية البعيدة عن المناطق القبلية.

بعدما فجر انتحاريان نفسيهما امام مصنع الاسلحة الذي يبعد ثلاثين كيلومتراً عن اسلام آباد، قال الناطق باسم «طالبان باكستان» والزعيم القبلي في باجور مولوي عمر: «اذا لم تتوقف هجمات الجيش، فإن مثل هذه العمليات سيستمر». اما محسود فاشترط للمشاركة في محادثات سلام، ان تتخلى الحكومة عن السياسة الموالية لاميركا التي اتبعها نظام مشّرف.

زرداري يريد ان يظهر انه رجل اميركا الجديد في باكستان، ومن الواضح ان اميركا تبحث عن رجل قوي. لقد كان مشّرف قوياً، لكن الحرب على الارهاب «عرّته».. فهل يكون زرداري اقوى من مشّرف ام ان الارهاب سيكون اقوى من باكستان؟