بوابة الرماد

TT

أخشى أن تكون روسيا قد قطعت أذنيها لكي تكيد أميركا وجورجيا. دولة مثلها، مليئة بالقوميات الصغيرة والنزعات الانفصالية، لا تسجل سابقة مثل الاعتراف بانفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. فالاتحاد السوفياتي الذي تساقطت جمهورياته أسرع من ورق تشرين، تحول الى «جمهورية روسيا الاتحادية» التي كان أول امتحان لبقائها حرب الشيشان.

وقد أثبتت روسيا في الشيشان انها قادرة على ترميد البلد وتحويله الى ارض محروقة، واستطاعت ان تقيم في غروزني نظاما متعاونا، ولكن الى متى وبأي ثمنين، ذلك الذي يدفعه الروس وذلك الذي يتكبده الشيشانيون منذ أيام ستالين.

شهد العقد الأخير من القرن الماضي تقسيم يوغوسلافيا، ويشهد العقد الأول من القرن الحالي اعادة تفتيت القوقاز، ذلك كان البركان البلقاني التاريخي وهذا البركان القوقازي الراكد. روسيا ترد الصاع لأميركا في البركان الأخير، بعدما ضربت واشنطن صربيا وحسمت حرب الجمهوريات اليوغوسلافية ضدها ثم انتهى الأمر باستقلال كوسوفو التي يعتبرها الصرب «أرضا مقدسة». حدث ذلك في الوقت الذي عادت فيه الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا الى قوتها القيصرية وتأثيرها الكبير على الكرملين. ولذلك اع تبرت هزيمة صربيا هزيمة لموسكو دبرها الأميركيون. وليس مستبعدا في ضوء ذلك ان يذهب الصراع المتفجر الى أقصاه. ولا من المستبعد ان نشهد حروب اعترافات انفصالية متبادلة تعود بأوروبا وآسيا وافريقيا الى القرون الوسطى. فيشجع فريق الشيشان ويشجع آخر الباسك في اسبانيا او التاميل في سري لانكا او السيخ في الهند او بيافرا في نيجيريا.

لقد فجرت روسيا، من دون ضرورة، عصرا من الحروب التي لا نهاية لها ولا حل. وليس صحيحا انها فعلت ذلك من اجل الروس في ابخازيا واوسيتيا الجنوبية، فالروس منتشرون بكثافة كبرى في جميع الجمهوريات السوفياتية السابقة.

أوروبا تضع يدها على قلبها. الصراع بين الأميركيين والروس قد يجري على أرضها التي أصبحت دولة واحدة فيها عدد من دول المنظومة السوفياتية السابقة. لقد ايقظت موسكو أسوأ نوع من اللعنات في القارة. حربان عالميتان لم تنهيا صراع القوميات والطوائف ونزعات السيطرة. وقبلهما ألف حرب. وها هي القوميات تقوم من جديد على اطراف جورجيا والثقاب يتجمع على أطراف ثوب العالم.