وجبة ينقصها مخ

TT

يقول برخت ويل للأمة التي ينقصها ابطال. كان الاجدر به ان يقول بل ويل للأمة التي ينقصها مفكرون. الفلسطينيون لا ينقصهم الابطال ولكن ينقصهم المفكرون. محنة فلسطين ان نساءها عجزن عن ولادة ابناء من طراز غاندي ومنديلا. المحنة الاكبر هي ان الفلسطينيين لم يسمحوا لأحد ان يستعمل مخه. ولو ولد غاندي بينهم لقتلوه.

لحماس استعمالها الخاص للمخ. تؤمن ايمانا مطلقا بالله والارادة الالهية وما كتبه على الجبين. وما كتبه على الفلسطينيين هو الجهاد وسيواصلون ذلك حتى يقضي الله امرا كان مفعولا. يستشهدون بالمائتي سنة التي استغرقها المسلمون لدحر الصليبيين. وهم مستعدون لقضاء مدة اطول من التضحيات والمعاناة حتى يطهروا الارض. أنها عبوة متكاملة لها عقلانيتها ومنطقيتها الخاصة بها. لك ان تقبلها او ترفضها. وقد قبلها الفلسطينيون عندما صوتوا لها.

بيد ان السلطة لها رأي آخر، او بالأحرى آراء أخرى. منها ان صرح احمد قريع انه يئس من مفاوضاته مع اسرائيل. وطرح بديلا جديدا هو إقامة دولة ثنائية القومية. من معالم المخ الفلسطيني ان يستيقظ بعد فوات الأوان. لقد طرحت هذه الفكرة منذ العشرينات ورفضها الفلسطينيون. والآن يريدون إحياءها بينما بدأ الاسرائيليون بالتخطيط وراء الستار لحل المشكلة نهائيا برمي الفلسطينيين وراء الحدود.

الدولة الثنائية القومية تتطلب مخا جديدا. فهي تقوم اساسا على التفاهم والتآخي والمحبة والاحترام المتبادل. كيف يمكن لاسرائيلي ان يتعايش ويتعاون مع قوم يؤمنون ببروتوكولات صهيون وكل افكار الحقد والاحتقار المعادية للسامية التي غرسها مفكرونا في نفوسنا؟ كيف لا يرى في طرح احمد عريق خطة مرحلية انتهازية فرضتها الهزيمة ولن يتوانى العرب من الانقضاض عليه في اول فرصة؟

العيش والتعايش مع اليهود في دولة ديمقراطية واحدة فكرة طالما آمن بها اليساريون والمثاليون وبعض المفكرين والمتدينين من كلا الطرفين. إنها حلم جميل. ولكنها، كما قلت، تتطلب مخا جديدا، فلسفة وآيديولوجية جديدة تستوحي افكار غاندي ومنديلا والاسقف توتو وآية الله الشيرازي وسائر دعاة اللاعنف والمحبة والايمان بوحدة الانسان وفضائل الحلم والغفران وتعايش الشعوب ورفض العنف والكراهية وتبني اساليب الجهاد المدني.

وبصراحة، إنها تتطلب ظهور شخصيات من نوعية جديدة وتاريخ مختلف ورصيد غني بأفكار المحبة والسلامية والانسانية، تقنع الفلسطينيين بنبذ البندقية وكل ما لقنوهم به من الافكار المعادية للسامية. لا بد من بداية جديدة ومن مدة كافية لأقناع الاسرائيليين بحقيقة هذا التوجه الجديد وهذه اليد الممتدة اليهم بالسلام والمودة وحسن النية.

هذا منحى يتطلب مبادرات عديدة على شتى المستويات. اشرت في مقالتي السابقة كيف ان موسيقيا اسرائيليا تطوع لتشكيل اوركسترا من عرب واسرائيليين يتعاونون على العزف معا لأحياء حفلات حققت نجاحا عالميا. نريد مزيدا من هذه المبادرات اذا اردنا الخير لهذا التحول الاستراتيجي.

www.kishtainiat.blogspot.com