ما زال الطريق صعبا أمام باكستان

TT

منذ شهر فبراير (شباط) عندما عادت الأحزاب الأربعة ـ التي تشكل الائتلاف الجديد ـ إلى السلطة من خلال أنزه انتخابات في تاريخ باكستان، كانت تتفق على شيء واحد: إجبار الرئيس برويز مشرف على الاستقالة أو مواجهة سحب الثقة. وقد كانت هذه الأحزاب تستخدم مشرف كذريعة لفشلها في تقديم برنامج قابل للتصديق أو تشكيل استراتيجية لهزيمة الإرهاب، الذي يهدد وجود الدولة الباكستانية.

ومع ذهاب مشرف، لم يبق من عذر لهذه الأحزاب في استمراء المزيد من السلبية والمناورة. وقد تظهر صراعات هذه الأحزاب فيما بينها إلى العلن، مما يضعف من شعبيتها الهشة ويزيد من نفوذ الأحزاب الدينية التي واجهت الهزيمة في الانتخابات.

وقد أشار الإسلاميون الذين يعرفون باسم طالبان باكستان إلى أنهم يرغبون في زيادة سخونة الساحة السياسية على المسرح الباكستاني من خلال القيام بشن هجمات انتحارية أودت بحياة أكثر من 150 شخصا منذ استقالة مشرف. وقد هددت الحكومة بحظر هذه الجماعات.

ويبدو أن الحزبين الرئيسين في الائتلاف الحاكم، وهما حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف، يكرهان بعضهما بعضا مثلما كانا يكرهان برويز مشرف. وقد ظهر هذا العداء بين الحزبين يوم الاثنين عندما أعلن حزب الرابطة الإسلامية بقيادة نواز شريف عن أنه قد ترك التحالف وسوف يقوم بتقديم مرشح من داخله لمنصب الرئاسة.

ويستمد حزب الشعب الباكستاني قوته من قاعدته في إقليم السند، بينما يدعم إقليم البنجاب حزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف. ويمثل هذان الإقليمان أكثر أقاليم باكستان الأربعة كثافة سكانية، ولهما تاريخ من المنافسة، كما شهد إقليم السند نشوء حركة انفصالية في العقد الماضي. وقد حاول كل من عاصف علي زرداري رئيس حزب الشعب الباكستاني الذي ينتمي إلى إقليم السند، وكذلك نواز شريف رئيس حزب الرابطة الإسلامية الذي ينتمي إلى إقليم البنجاب، الوصول إلى سدة الرئاسة.

لكن غالبية الشعب الباكستاني لن تقبل أيا منهما رئيسا للوزراء في الوقت الحالي. ويتمتع زرداري بالقليل من المؤهلات بغض النظر عن كونه الزوج السابق لرئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو. كما تولى نواز شريف منصب رئاسة الوزراء مرتين، وقد أشيع عنه الكثير من تهم الفساد بحيث لا يستطيع اكتساب السلطة الأخلاقية التي يحتاج إليها في توحيد الأمة الباكستانية المقسمة. ولأجل ذلك، فإنه لا يستطيع الحصول على الأغلبية، ويرغب في تقديم «مرشح إجماع» وهو شخص من الإقليمين الآخرين، البلوشستان والحدود الشمالية الغربية.

ومع الوضع الحالي في البرلمان الذي سينتخب الرئيس الجديد في 6 سبتمبر (أيلول) المقبل فلن يتمكن أي من حزب شعب الباكستاني أو حزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف، من الفوز بمنصب الرئاسة. وربما يقرر ذلك البرلمانيون الذين ما زالوا مؤيدين لمشرف.

وقد وعد كل من حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز بتعديل الدستور للعودة إلى النظام البرلماني الذي يمارس فيه رئيس الوزراء السلطات التنفيذية مدعوما بالأغلبية البرلمانية. وسوف يكون للرئيس دور رمزي إلى حد كبير. وإذا حدث ذلك، فسوف يجب استبدال رئيس الوزراء يوسف رازا جيلاني الذي يعتبر دائما رئيس الوزراء المؤقت. ويمكن أن يحدث الصراع في هذا الشأن انقساما كبيرا في الائتلاف الحاكم. ويبدو أنه من الأفضل أن يقوم حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية بتسوية خلافاتهما بسرعة أو الموافقة على الطلاق السلمي، حيث يقود أحدهما الحكومة بينما يقف الآخر في صفوف المعارضة. وقد صوتت الأغلبية الباكستانية لهذا الائتلاف على أمل أن يجلب الاستقرار إلى باكستان مع الاستمرار في سياسات مشرف بشأن الإصلاح والنمو الاقتصادي.

فهل سيدرك الحزبان الرسالة؟ أم انهما سيبحثان عن مزيد من الخلافات؟ وربما يحاولان تجربة بعض الحيل الغوغائية مثل إعادة اعتبار عبد القدير خان، «أبو القنبلة النووية الباكستانية» والرجل الذي باع التقنية والمعدات النووية إلى إيران وليبيا وكوريا الشمالية.

وهناك ملاحظة خطرة أخرى، فربما يقوم الحزبان بإطلاق سراح آلاف الإرهابيين الذين ينتمون إلى حركة طالبان على أساس أنهم كانوا «ضحايا لمشرف وديكتاتوريته». وعلى أية حال، فإن طالبان قد تشكلت في عام 1994 عندما كان حزب الشعب الباكستاني يشكل الحكومة. وقد ظهرت دلالة مقلقة على ذلك خلال الأسبوع الماضي، عندما لمحت الحكومة إلى أنها سوف تقلل من وجود الجيش في منطقة باجوار القبلية وجنوب وزيرستان، وأنها سوف تبحث عن «حل سياسي» ـ بينما يرى المحللون العسكريون ضرورة وجود قوات كبيرة في كلا المنطقتين.

وما يبعث على القلق أيضا نكوص الحكومة عن قرارها بتحويل تبعية المخابرات الباكستانية التي يعتقد أنها تسببت في تكوين طالبان والعديد من الجماعات الإسلامية المسلحة الأخرى، إلى وزارة الداخلية بدلا من الجيش. وقد تراجعت الحكومة عن القرار بعد إعلانه بست ساعات من قبل رئيس الوزراء جيلاني. ومن شأن التخفيف من سياسة مشرف السابقة تجاه الإرهاب والتي كانت تعتبرها واشنطن سياسة لينة، أن يشجع طالبان وحليفتها القاعدة لاسيما في أفغانستان، حيث تبدو الحرب مستعرة في وقتنا الحاضر.

لقد عبّر كل من حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية عن رغبتهما في تهدئة العلاقات مع الولايات المتحدة التي يعتبرانها حليفا غير موثوق به لأنها تغير من مواقفها بصورة جذرية حسب الشخص الموجود في البيت الأبيض.

كما أن هناك حقيقة واقعة، تتمثل في قرار إدارة بوش عدم دعم مشرف ولو بكلمة واحدة، وهو الرجل الذي اتخذ قرارا استراتيجيا بتحويل باكستان إلى التحالف مع الولايات المتحدة عام 2001، ويعزز من ذلك الهجوم المكثف عليه من قبل وسائل الإعلام الأميركية.

وقد كان كل من حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز يعتبران أن الصين هي حليف باكستان الأول، لاسيما في مواجهة الهند التي يعتبرها العديد من الباكستانيين أكبر تهديد لدولتهم الإسلامية. ومع انتهاء دورة الألعاب الأولمبية، فإن الصين ربما تنهي سياستها التي تتلخص في «عدم إثارة عداوات والاشتراك إلى الحد الأدنى في السياسات الخارجية» وربما تبحث عن رأي مباشر لما يجري في باكستان، وهي الدولة التي كانت تعتبرها منذ زمن بعيد جزءا من حدودها.

ومنذ عقد واحد، كان اهتمام الصين بباكستان يدور حول أهميتها في معادلة الصراع مع الهند كقوة إقليمية. أما اليوم، فإن الأمن القومي الصيني له جانب في هذا الأمر أيضا. فمعظم العناصر المسلحة من الإيغور الذين يثيرون القلاقل في زينجيانغ وهو الإقليم ذو الأغلبية المسلمة، قد تلقوا التدريب من خلال عناصر طالبان في أفغانستان ومنطقة القبائل الباكستانية الخاضعة للحكم الذاتي.

ولم يظهر الجنرال إشفاق برويز كياني الذي خلف مشرف كقائد للجيش أي توجه للسياسة. ومع ذلك، فمع جنرالات باكستان، لا يعرف المرء أين يمكن أن تسير الأمور.