فاروق المسلسلات

TT

سألت الدكتور أحمد ماهر، وزير خارجية مصر السابق، إن كان قد تابع مسلسل «فاروق»، وإلى أي مدى يتطابق المسلسل مع وقائع وحقائق تلك المرحلة. وقال إنه شعر بمتعة وهو يتابع الحلقات، أولا، لأن فكرة تصوير التاريخ المعاصر عمل ممتاز. والسرد التاريخي كان دقيقا واستغرق عملا شاقا. لكن الممثل الرئيسي تيم حسين، أعطى بوسامته وأدائه صورة أفضل قليلا مما كان عليه آخر ملوك مصر. وسألته عن الإخراج الرائع الذي أعادنا بسحر إلى تلك الحقبة، وهل من هفوات؟. وقال: الثياب كانت جميلة وغاية في الأناقة، لكن بعضها لم يكن في الحقيقة معروفا آنذاك.

لا أستطيع أن أصنف مسلسل «فاروق» في مرتبة تفضيلية، لأن متابعاتي لهذا النوع من البرامج غير كافية لإصدار أحكام. لكن بمعزل عن المقارنات، لم يشدني عمل تلفزيوني تاريخي كما انجذبت إلى مشاهدة «فاروق» حلقة بعد حلقة أجمل. لا أعرف كم استغرق وضع هذا السيناريو الهائل، المليء بالتفاصيل، إنما بلا ملل أو إطالة. ولا أعرف كم أرهق المخرج لكي يستخرج من النص المكتوب هذه المشاهد الآسرة جميعها.

وبدا «فاروق» عرضا أخاذا للأداء المسرحي في أرقى احترافه. وتحولت كل شخصية إلى بطل وما عاد هناك «كومبارس» إلا الذين لم يظهروا. وقد سحرتني شخصية النحاس باشا وسحرتني شخصية حسين سري باشا وأسرتني شخصية والدة الملك فاروق. ولا يعني عدم ذكر الباقين أنهم كانوا أقل لمعانا، لكن كثرة الأدوار تحول دون الإشارة إليها جميعا في زاوية محدودة بإطارها.

لماذا نجح «فاروق» إلى هذا الحد؟ العناصر كثيرة، أهمها بالتأكيد، وجود سيناريو في هذا الجهد ووجود مخرج في هذه القدرة. لكنني أعتقد أن السبب الأول والأهم هو الموازنة التي قررت MBC أن تكون في حجم الموازنات الغربية من أجل أن تأتي بمستوى يوازي مستواها أو يفوقها. وقد جعل «فاروق» من مستواه مقياسا لما سوف ينتج بعد الآن، خصوصا في المسلسلات التاريخية القائمة على التمجيد والخطب والحوار الممل والتصوير السقيم والتوفير الرخيص الذي حوّل التلفزيون العربي إلى صور باهتة وألوان باهتة وحوارات باهتة.

يدخل «فاروق» في عِداد الأعمال الكلاسيكية. وقد أظهر الفن كم هو أعمق من السياسة وأكثر تأثيرا. وينسب المختصون إلى وليد الإبراهيم ريادات كثيرة في هذا الحقل الذي طغى على حياتنا وخفض تأثير الراديو والسينما والصحافة. تحية له على «فاروق»، وتحية لكل مَن ساهم فيه، من مهندس الصوت إلى مهندس الديكور إلى صاحبة السيناريو الجبار.