بيدن نائب الطبقة العاملة

TT

أكاد لا أصدق أنه قد مضى 20 عاماً على لقائي السيناتور جو بيدن لأسجل انطباعاته حول حملة رئاسته الأولى، لكن التاريخ المكتوب على الجريدة لا مراء فيه 6/1/1988.

والرجل الذي اختاره أوباما ليكون شريكه في حملته الانتخابية كنائب له كان منتقدا لذاته كما يفترض بأي سياسي، فقد كان قاسياً على نفسه كما كان جون ماكين لدى تورطه مع أحد المضاربين الماليين في الثمانينيات مما جعله أحد ما يطلقون عليهم «كيتنغ فايف». أما حملة بيدن في الثمانينيات فقد توقفت لأن أحد العاملين في حملة المرشح سرب خبراً إلى ماورين دود في صحيفة «نيويورك تايمز» بأنه على ما يبدو أن جزءاً من السيرة الذاتية التي جاءت في خطاب حملة بيدن الانتخابية كانت منقولة نصاً من كلمة رئيس حزب العمال البريطاني آنذاك نيل كينوك، الأمر الذي سبب حرجاً كبيراً لبيدن مما اضطره إلى الخروج من السباق.

وعندما التقيته بعد أربعة أشهر من الواقعة لم يعتذر بيدن ولكنه كما كتبت اعترف بالمسؤولية عن الأخطاء وسوء التقدير الذي أودى به إلى مغادرته السباق مبكراً.

أما الآن وبعد أن أصبح بيدن رئيساً للجنة القضائية وعضواً في لجنة الشؤون الخارجية أوضح أنه عائد لمجلس الشيوخ وهو عازم على «أن أظهر القوة الراسخة والجدية لكم (الصحافيون) التي كنتم تشكون بها».

وبعد مرور عشرين عاماً لن يحاول تفنيد هذه الفكرة من أعضاء حزبه سوى القليلين. فمع شريك جمهوري هو ريتشارد لوغار من إنديانا أعاد إصلاح سمعة لجنة العلاقات الخارجية وجعلها أداة جيدة لاختبار السياسة الخارجية الأميركية. فقد كان بيدن دائم الانتقاد لسياسات بوش في العراق وباكستان.

وقد كان لبيدن أثر كبير على عقلية النواب الآخرين في الكونغرس، أكثر مما قام به للتأثير على الناخبين عندما عاد إلى حلبة السباق كمرشح للرئاسة في العام الماضي. وقد قام بيدن بعمل جيد وبرز بشدة خلال مناقشات الحزب الديمقراطي، لكنه مع باراك أوباما وهيلاري كلينتون وجون إدواردز الذين اجتذبوا كل الأضواء وانتباه وسائل الإعلام والناخبين، لم يكن هناك مجال ولو ضئيل بالنسبة له. ومنذ شهر مضى جلست معه مرة أخرى لأسمع منه آماله هو ولوغر في إعادة إحياء الدعم المشترك من كلا الحزبين للسياسة الخارجية بالنسبة للرئيس القادم ـ سواء أكان أوباما أو ماكين ـ وقد تحول النقاش إلى السياسات في كلا الحزبين. وفي الوقت نفسه، أصر بيدن على أن ألا تنشر بعض تعليقاته النقدية على مسار الحملة الانتخابية لباراك أوباما.

وإذا كان أوباما صادقا في قوله إنه يرغب في نائب رئيس يكون حازماً في التعبير عن آرائه ولا يبدي قلقا من أنه قد يكون قد سبب امتعاض الرئيس، فأعتقد أنه قد اتخذ القرار الصائب واختار الرجل المناسب.

وقد أكمل بيدن ذلك الشعور بالطبقة العاملة الذي كانت تفتقده حملة أوباما، حيث انه يمثل ماضيه في اسكرانتون. وأنا أعلم أن هناك حكاما ديمقراطيين يخشون من أن بلاغة بيدن شديدة الإطناب لن تلقى كثير قبول من جانب الناخبين. وربما يكون ذلك هو السبب في أنه قد عمل جاهداً على تقليل إجاباته بالنظر إلى الأسئلة ـ كما أشار ديفيد بروكس في عموده في «نيويورك تايمز» داعماً ترشيح بيدن ـ وكذلك فإنه يبدو أن أوباما قد أدرك أن ذلك هو الرجل الذي تنقصه حملته الانتخابية. فهو الرجل الذي يعطي للجمهور الشعور بأنه يقف إلى جوارهم ويمكنه التحدث بصورة مباشرة إليهم.

وكأحد أبرز شخصيات السياسة الخارجية الذين عملوا لسنوات مع قادة الدول الآخرين، كان لبيدن جانب غير إعلامي كسياسي متمدن، حيث كانت بصمته واضحة في تمرير التشريعات الخاصة بمكافحة الجريمة خلال العقدين الماضيين، كما أن جهده في سبيل إقرار المزيد من الحقوق المدنية، ليس فيه أدنى شك.

وعلاقات بيدن مع ماكين جيدة لدرجة أنهما كانا قادرين في الشهور الأخيرة على التحدث في أمور السياسة مع بعضهما البعض على أساس من الفهم المتبادل، لكن كما أظهر بيدن في أول ظهور له إلى جانب أوباما أنه لن يكون قادراً على حمل أفكار الديمقراطيين بصورة مباشرة إلى الجمهوريين.

ومن المؤكد أن اختيار أوباما سيدفع ماكين إلى قرار اختيار نائب الرئيس في القريب العاجل.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ «الشرق الأوسط»