التقارب الإيراني ـ المغاربي: نحو تشكيل محور إضافي

TT

في صمت يكاد يكون كليا بدأ في السنوات الأخيرة ظهور بوادر تقارب إيراني مغاربي لا شك أنه أثار انتباه عدة أطراف دولية، خصوصا أن التقارب حصل بعد قطيعة ايرانية مغاربية معروفة طيلة العقود الماضية تعود بالأساس إلى الموقف المغاربي السلبي ـ مع اختلافات نسبية ـ من الأحزاب الإسلامية بشكل عام.

وفي الحقيقة، يثير هذا التقارب عدة تساؤلات سواء في توقيته السياسي الدولي أو في طبيعته وطموحاته. بل ان هذه التساؤلات وغيرها تزداد شرعية عندما نضع في الاعتبار أنه تقارب مع بلدان تعتبر صديقة الولايات المتحدة وغير مارقة بالمفهوم الأميركي طبعا. وكما أشرنا من سمات هذا التقارب أنه بدأ يتشكل بدأب شديد وفي صمت، ثم بدأت تتكون بوضوح ملامح التوجه المحوري، خصوصا بعد عودة العلاقات الإيرانية الليبية التي مثلت خطوة استراتيجية جريئة وذات دلالات عميقة. فهي مصالحة غير منتظرة حدثت بعد قطيعة دامت ثلاثة عقود بسبب التهمة الشهيرة والخطيرة «إيرانيا» حيث حملت إيران ليبيا مسؤولية اختفاء الإمام الشيعي موسى الصدر. ولعل المختصين في الشأن الايراني يدركون جيدا أهمية هذا المعطى، وبالتالي يسعنا أن نُقدر في المقابل حجم الرهان الايراني الذي جعلها تتجاوز مسألة من المفروض أنها من الخطوط الحمراء بالنسبة إليها.

وإلى حد الآن تمخضت المصالحة الإيرانية الليبية عن إعلان تأسيس صندوق مشترك للاستثمار في أمريكا اللاتينية وافريقيا...

ولا يقتصر التقارب على العلاقات الإيرانية الليبية، بل انه يشمل كلا من تونس والمغرب الأقصى والجزائر، ومن مظاهره الزيارات شبه المكثفة للمسؤولين المغاربيين والإيرانيين وتوقيع مذكرات تفاهم وتكوين لجان مشتركة بين وزراء خارجية البلدان المغاربية ووزير خارجية ايران، أنتجت عدة اتفاقيات شملت أصعدة مختلفة كالاقتصاد والتعليم والسياحة والثقافة. وقد انتقلت بعض الاتفاقيات إلى طور التنفيذ، من ذلك تسويق سيارات إيرانية للجزائر منذ قرابة العام، ومن المنتظر أن يتوسع مشروع تسويق السيارات الإيرانية بعد نجاح التجربة.

فكيف يمكن أن نفهم هذا التقارب المتنامي الإيقاع والحركة؟

طبعا لا شك في أن طموحات إيران الإقليمية هي الدافع الأساسي لهذا التقارب، خصوصا أن منطقة المغرب العربي كانت في أغلب الأحيان بعيدة عن التأثير الايراني ويبدو أن «البراغماتية السرية» الإيرانية استدعت تجاوز القطيعة واستثمار بلدان المغرب العربي ـ باعتبارها دولا دينها الإسلام ـ في رصيدها السياسي.

وبحكم التجانس الطائفي الغالب على مجتمعات المغرب العربي حيث لا وجود يذكر لطائفة الشيعة، فإن الجانب الثقافي في هذا التقارب حاضر بشكل يتنامى تدريجيا: هناك اهتمام بتنظيم أسابيع ثقافية متبادلة وأيضا تبادل أساتذة جامعيين في التعليم العالي والانطلاق في مشروع فتح مراكز ثقافية في بعض العواصم المغاربية، تُعقد فيها الندوات والمحاضرات. بالإضافة إلى أنه من وظائف هذه المراكز تعليم اللغة الفارسية، أي أن هناك سعيا واضحا لتصدير الثقافة الإيرانية إلى المغرب العربي.

كما يُمكن وضع هذا التقارب في إطار استراتيجية إيرانية تقوم على تعدد المحاور، أي أنه إلى جانب المحور الايراني ـ السوري ، تشير كل الدلائل إلى محاولة تشكيل محور إيراني مغاربي، تستفيد إيران فيه من العلاقات الأوربية للدول المغاربية من جهة، وتخترق التأثير الأمريكي على المنطقة من جهة أخرى، مع خلق جبهة مساندة ولو بشكل غير علني وغير ظاهر.

وفي كل الأحوال، فإن ايران مستفيدة من تقاربها المغاربي سواء ثقافيا أو استراتيجيا أو اقتصاديا وحتى أمنيا (وقد يكون البعد الأمني هو العربون الأول للتقارب) وهو ما يؤكد الذكاء الاستراتيجي في السياسة الخارجية الإيرانية. أما بالنسبة إلى البلدان المغاربية، فإن السؤال الذي يفرض نفسه يتعلق بمدى دقة الحسابات المغاربية في تعاطيها مع هذا التقارب؟

[email protected]