أولمبياد «بكيني»!

TT

لا يزال سيل النكات مستمرا على أداء المنتخبات الرياضية العربية المخيب للآمال في دورة الألعاب الأولمبية ببكين، التي اسدل ستارها منذ أيام قليلة مضت. فطبعا كان هناك اعتراض شعبي على أن الألعاب في بكين لا تعكس «قوة» و«تخصص» المواطن العربي، وبالتالي لا تظهر قدراته ومهاراته الاستثنائية. فالميداليات الذهبية كانت ستكون مؤكدة ولا شك فيها إذا كانت مسابقة «مارثوان الحصول على المياه»، موجودة، أو «سباق رغيف الخبز الصباحي» أو طبعا «الدخول لمستشفى بالقفز على الحواجز» أو (وهذه المفضلة لدى الجميع): «الحصول على وظيفة بعد التخرج سباق تتابع». دونما الدخول في غياهب الاخفاق الفني والاداري الذي بلغ حد السخرية والاستهتار، وخصوصا مع الادراك التام بأن تحقيقا جادا لن يأخذ مجراه وستكون المسؤولية ملقاة على الحلقة الاضعف، التي ستلقى جزاءها بقفازات من حرير خالص. بعيدا عن كل ذلك، مطلوب التمعن في «تجربة» المشاركة العربية الأخيرة في أولمبياد الصين بموضوعية خالية من العواطف والمشاعر الغاضبة. كيف كان سيكون للعرب فرصة تحقيق أي انجاز يحسب لهم، وجدير بالذكر في ظل غياب الاهتمام بالرياضة كثقافة وجزء أساسي من بناء المواطن السوي وتأسيسه من الصغر، الرياضة تحولت الى وسيلة الهاء للعامة واسكات للجماهير واشغال للناس، وخصوصا عبر «البنج الكلي» المعروف بكرة القدم! إن الاهتمام والقبول بكلمات مسكنة ولا معنى لها «كالتمثيل المشرف» و«المشاركة الفعالة» و«الحضور المؤثر»، هو الذي ولد قناعات بأن «أي نتيجة» ستكون مقبولة لإنه ليس بالامكان أفضل مما كان، وهذا كله تولد من ذهنية بنيت عبر السنين الماضية، أساسها السلبية وسقفها المؤامرة علينا. النجاح والانجاز لا يأتي إلا بالتنظيم والتخطيط المسبق، والنتائج المبهرة، التي تحققت للصين في الدورة التي استضافتها جاء بعد «قرار» بتصليح مسار الرياضة في البلاد والبدء في تطبيق برامج جادة ولدت روحا فيها الالتزام والجدية (وهذا طبعا انعكس على مناخ التعليم والعمل والمشاركة) وصاحبته بطبيعة الحال إرادة شعبية هائلة لاثبات الذات، أخرجت الصين من عقدة النقص الهائلة التي كانت لديها ومكنتها من اكتساب ثقة وثبات في النفس لتنضم بقوة لدول العالم الأول. العرب لايزالون اسيري فكرة الحظ، الصدفة أو «الاستروبيا»، وهي تحديدا تعني له النجاح، وخصوصا الفردي منه «يأتي» وليس مهما الكيفية، ويجادلونك في ذلك بأمثلة كأحمد زويل ونوال المتوكل وسعيد عويطة وهشام الكروج وغيرهم. متناسين أن أدلة الاخفاق الهائلة من أمثلة فردية وجماعية كفيلة بتأكيد أن هذه الامثلة ما هي إلا استثناء شاذ ولا يمكن الأخذ به. خيبة الأمل الرياضية فاجعة جديدة تؤكد الاخفاق المهول للمنظومة الادارية في العالم العربي، التي لا تزال تعتمد على تعيين وتثبيت المحاسيب والأنصار في مناصب قيادية والعمل بمبدأ الاستعانة بأهل الثقة وليس بأهل الكفاءة، ويترتب بالتالي أن تتحول هذه المناصب الى مرتع للأهواء الشخصية تزيد وتتنامى في ظل غياب كامل لمنظومة الثواب والعقاب المطلوبة لحل أي معضلة وعلاج أي خطأ . في ظل هذا الجو القاتم لن يكون بمستغرب أن يكون نصيب بعثة مكونة من 177 رياضيا ميدالية برونزية وحيدة، أو بعثة أخرى كانت تغط في سبات عميق فلم تتمكن من المشاركة لأن النوم سلطان، أو بعثة أخرى اهتمت بالتجنيس على حساب التأسيس وهكذا. أولمبياد بكين ونتائجها العربية فصل جديد من الاخفاق ينضم لقائمة حزينة تشمل الجامعات العربية والمحاكم العربية والبرلمانات العربية. الدورة القادمة ستكون في لندن والانجليز يعدون بمفاجآت، لعل ابرزها مسابقة خاصة للعرب في الشخير أثناء النوم!

[email protected]