مع عبد الله ومنصور

TT

التقيت في بهو الفندق في باريس، باثنين من قراء «الشرق الأوسط». وبأدب جم قدّما نفسيهما، عبد الله من العين، ومنصور من أبوظبي. وسألا إن كان في الإمكان التقاط صور تذكارية، فوافق الكهل على الوقوف بين مصباحين. وبعد ذلك اقترحا أن نجلس قليلا في الصالون، فجلسنا. كان وقت شاي الساعة الخامسة، لكنهما اختارا عصير البرتقال، واخترت العاشر من القهوة الخالية من الكافيين. أي العسل الخالي من طعمه.

ثم حضر أهل عبد الله ومنصور. وتعارفنا. ويبدو أن قراءة «الشرق الأوسط» بدأت معهم، ومن زمان. وطرحت الأسئلة عن الصحافة والكتابة، والكتابة اليومية، وعن أحوال خالد القشطيني، وعن أسفار أنيس منصور. وصارت حال من القربى بين أهل الإمارات وبيني. واقترح عبد الله ومنصور أن نتناول العشاء غداً، فأمتعتني الفكرة.

مساء اليوم التالي، رأيت عبد الله في البهو أولا. وكان يرتدي طقماً بني اللون ويضع ربطة عنق زرقاء في أناقة باريسية كاملة. ثم جاء منصور، وكان يرتدي طقماً كحلياً مقلماً ويضع ربطة عنق عنابية رفيعة، تمشيا مع موضة الخريف في أوروبا هذا العام. لقد عادت السترة الرفيعة والربطة النحيلة وعلى مَن يريدون الالتزام أن يخصصوا موازنة لإرضاء أسيادنا تجار الثياب، وتغيير ثيابهم.

إذ جلسنا إلى العشاء، اتصل عبد الله بابنة خاله بالجوال، وقال لها، معنا فلان، تفضلي اسأليه بنفسك، عن النوم عند طبيب الأسنان!. وأخذت السماعة فجاءني صوت ضاحك يقول: «قرأت لك قبل سنوات أنك نمت عند طبيب الأسنان. هل هذا معقول؟». قلت لها، كنت في مونتريال، وكان من عادتي أن أذهب إلى عيادة صديق أرمني من حلب، يدعى سرج. وذات مرة قال لي سرج: «لقد اخترعوا «فاصلا» بلاستيكيا نضعه في الفم فيبقى الفكّان مفتوحين ولم تعد هناك حاجة لأن تقول للمريض افتح فمك كل مرة». وراقت لي الفكرة. وكان الوقت عصرا، فسألت سرج: هل يعني ذلك أنني أستطيع أن أنام؟، وظنني أمزح، لكنني نمت حوالي الساعة إلى أن انتهى عمله فأيقظني، وإذا بي أرى أنه دعا جميع الأطباء والممرضات من جيرانه للتفرج على رجل يعلو صوت شخيره على صوت «الخر بر»، أو كاسح الأسنان.

أمضيت مع أهل الإمارات أمسية لم أعرف مثل متعتها منذ فترة طويلة. وفي اليوم التالي سافر عبد الله ومنصور للالتحاق بالمدرسة. عبد الله في الرابعة عشرة، ومنصور في الثانية عشرة من العمر. كم أنا ممتن.