استغرق الصوم نصف ساعة!

TT

مجرد تجربة لقد قررت أن أصوم عن الكلام يوما. لا أكلم أحداً وإذا كلمني أحد لا أرد. ممكن نعم ممكن..

وجلست في مكتبي فدق جرس التليفون طبعاً لن أرد ومرة أخرى لن أرد وفجأة سمعت دقاً على الباب. وقال الخادم إن وزير الثقافة يريدك لأمر هام وقد طلبك في تليفون آخر عدة مرات. وهززت رأسي للخادم وطلبت إليه أن يغلق الباب ولم أعرف كيف أشير إليه دون كلام ألا يدق الباب مهما كانت الأسباب. وحكي الوزير وأطال واختصرت.. أما كلامه فهو أننا اتفقنا مع عدد من الوزراء على لقاء وأنه لا بد أن أخبرهم بذلك وأن اللقاء تأجل موعده ولأنني صاحب الدعوة فمن الضروري أن أتحدث إليهم بذلك. وطلبت ولاحظوا أنني غريب، فكلامي محدد جداً وتساءلوا: ماذا جرى؟ فأخطأت وقلت: مريض.. وتحول الكلام هكذا: ما المرض ومنذ متى ولماذا لا تعرض نفسك على الطبيب صديقنا وسوف أجعله يطلبك أو يزورك وشكرت.. ولم أشأ أن أقول إنني لا أريد أن أتكلم وكان شكري ليس دليلا على أنني لا أريده وإنما كان شكراً على الاهتمام..

وبعد دقائق جاء الطبيب وخرجت من مكتبي: افتح فمك طلع لسانك. قل آه. أرني بطنك آه عندك انتفاخ. إنها غازات وهي التي تجعل المصران الغليظ يوجعك والمصران الغليظ هو مرض المثقفين والقادة: الإسكندر ونابليون وروميل ونلسون وكان الإمبراطور كاليجولا يدق بطنه فليس لأنه يريد أن يمزقها أو يقتل نفسه وإنما كان لها صوت الطبول. كان يفعل ذلك ويضحك.. وأقول: آه.. شكراً.. شكراً..

وكان هدفي أن ينتهي الطبيب الصديق من زيارته لكي أستأنف الصيام عن الكلام!

وعدت إلى مكتبي لكي أفسر للأصدقاء عباراتي المقتضبة في الرد عليهم في موضوعات هامة لي وليست لهم. ودخلنا في موضوعات فكاهية عادية من التي نقولها كل يوم. ودخلنا شيئاً فشيئاً إلى ما يسميه الفلاسفة الوجوديون «ما هو يومي» أو اليومية ويسميه الألمان «آل تجليش» أي السخافة اليومية والفكاهة اليومية التي نمارسها بمنتهى الجدية.. ولم يستغرق الصيام نصف الساعة فلا يقدر على البوذية ومبادئها إلا الصابرون من أولي العزم!