ليس وحده الأب الذي حبس ابنيه

TT

الاب هو المصاب بتخلف عقلي وانساني، لا ابناه عندما حبسهما في الكهف، واخفاهما عن اعين الشامتين. حبسهما لأنه لم يدر ماذا يتعين عليه ان يفعل لحظتها، ولا يدري ماذا سيفعل بعد ذلك، ولا الى متى، وما هي العاقبة؟ هناك كثيرون، مثل هذا الأب المختل العقل والعاطفة، الذين يفضلون حبس الافراد، والشعوب، واحتكار قرار مصير مواطنيهم في كثير من دول العالم، وفي المأساة الفلسطينية امامنا العديد من الصور والعبر والكهوف.

فالقيادات الفلسطينية التي ترفض الحلول، وتريد اغلاق الابواب على مواطنيها، لا تقل وحشية عن الاب اياه. احد القادة في تنظيم حماس قالها صريحة انه لا يرضى ان يستفتى الشعب الفلسطيني في اي حل مقبل حول مصيره، بحجة ان لا استفتاء على الثوابت. ما الفرق بين هذا الذي يريد ان يقرر للناس كيف ان يعيشوا كما يراه مناسبا رغما عنهم، وبين الأب الذي سجن ابنيه لانه لا يراهما اهلا ان يقررا لنفسيهما.

في الخارج، في لبنان مثلا، يغلق على الفلسطينيين المخيمات. بعضهم ولد فيها، وبعضهم دفن فيها بدون ان يسمح لهم بالخروج وراء بوابة المخيم المحروسة بالقوات، والمراقبة بالاجهزة الامنية. اليست هذه كهوف جماعية وحشية باسم الخوف من توطين الفلسطينيين؟ ثم لا يتورع مرشحون، مثل الجنرال ميشيل عون، في تخويف المواطن اللبناني من الوحوش الساكنين في المخيمات، مكررا اكذوبة ان هناك مؤامرة لتوطينهم، وتغيير الميزان الانتخابي ضد المسيحيين والشيعة، وغيرها من اقاويل الترويع الفاشية. هؤلاء الناس يعيشون حياة البهائم، داخل مناطق محاصرة، محرومون من كل وسائل العيش البسيطة لعشرات السنوات. والسخرية في المفارقة، فالذين يرفعون الفزاعة الفلسطينية يتجاهلون ان في العالم اكثر من تسعة ملايين لبناني هاجروا الى مختلف الاصقاع واستقبلوا بترحاب، ويعيشون كمواطنين كاملين في الدول التي هاجروا اليها، في حين يعتبرون مائتي الف فلسطيني وباء يجب سجنه في مخيماته.

اما في الدول الأقل وحشية فالفلسطيني يعيش محروما من التعليم والتطبيب، وعندما يقرر الخروج يسافر معذبا، ان كان محظوظا وسمح له بالترحال. ففي معظم المطارات العربية يوقف طويلا للمساءلة حول جوازه، او اوراق ثبوتيته، ويتركون في غرف الانتظار ربما يسمح لهم بالخروج وفي الدول التي تستقبلهم ايضا في غرف وربما تمنعهم من الدخول.

ليس الاب الخليلي وحده الذي اساء سلطته، وقرر ابقاء طفليه في الكهف، رافضا علاجهما او مساعدتهما على التأهل والتعايش مع العالم، بل في عالمنا القاسي قيادات تقرر وتسجن الناس باسم الناس. تريدهم تحت السيطرة، بدعوى أنهم لا يدركون، ولا يعون، ولا يجوز ان يسألوا عن كيف يريدون واولادهم ان يعيشوا حاضرا ومستقبلا.

وبالتالي فان كانت حادثة فردية قد صدمتنا لأن ابا قرر حبس ابنيه في كهف وتركهما يعيشان كالحيوانات، علينا ان نفهم الوضع الذي تعيشه مجتمعات كاملة. لا نرى كهوفا، ولا نسمع صفة متخلفين عقليا، لكن ما يحدث يماثل ذلك، يحتكرون القرار، ويرفضون للغير الانفتاح، ويكرهون التغيير، وينبذون التعايش.

[email protected]